دَورُ النَّهضَةِ الحُسَينِيَّةِ فِي تَرسِيخِ الأَخلاقِ

زينب ضياء الهلاليّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 161

علم الأخلاق من أشرف العلوم إن لم يكن أشرفها؛ إذ إنّ قيمة المرء في الحقيقة تُقدّر بأخلاقه وأعماله، لا بجسمه، ولا بعلمه، ولا بماله، وورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "قيمة كلّ امرئ ما يحسنه"(١). والنهضة الحسينية غيّرت التاريخ، فكان لها دور كبير في ترسيخ الأخلاق، وتُعدّ من أهمّ الركائز التي تصلح المجتمع، فهي امتداد لمنهج الرسول (صلّى الله عليه وآله). ترسيخ الأخلاق قام على عناصر متعدّدة، منها عنصر الاحترام الأسري بين الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته من جهة، وبينه وبين أصحابه من جهة أخرى، فالعلاقات الأسرية هي نواة المجتمع، وبدونها يضيع ويتفكّك، وجاء دور عاشوراء في ترسيخ الأخلاق عن طريق العلاقات الأسرية والترابط الأخوي، ونلاحظ ذلك في علاقة الإمام الحسين (عليه السلام) بأخيه أبي الفضل العبّاس (عليه السلام)، ومع أبنائه وعائلته، وهي أهمّ الأهداف التي سعى الإمام الحسين (عليه السلام) إلى إبرازها في تلك المواقف الصعبة ليبرهن للعالم أنّ لكيان الأسرة قدسية خاصّة، وبصلاحها يصلح المجتمع، لذا يجب الدفاع عنها والحفاظ عليها، ومن الشواهد على ذلك وصيّة الإمام الحسين (عليه السلام) لأخته زينب (عليها السلام) قبل أن يقاتل القوم بالستر، وعدم الخروج إلى ساحة المعركة بعد استشهاده، ثمّ أوصاها بالعيال، وهي دعوة للجميع للحفاظ على العائلة مهما كانت الظروف، وهذه من القواعد المهمّة التي يحتاجها المجتمع في الوقت الحاضر، بعد أن أصبح غير آمن ويحتاج الفرد إلى حماية عائلته وأهله. أمّا علاقة الإمام الحسين (عليه السلام) بأصحابه، فقد كانت مميّزة على الرغم من كونه قائدًا، والقيادة دومًا تعكس أخلاقها على أتباعها، وفي النهضة الحسينية تجسّدت الأخلاق الفاضلة في العلاقات والروابط، حيث الإخاء، والمحبّة، والتعاون، والودّ، والاحترام بين القائد وأتباعه، وبين الأتباع أنفسهم، فالأتباع كانوا خير الناس، اتّبعوا القائد في كلّ شيء، وكانوا يتلقّون الأوامر بقبول ورضىً وطمأنينة. ومن هذه القِيم خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) أخاه العبّاس (عليه السلام) قائلًا: "يا عبّاس، اركب بنفسي أنتَ يا أخي"(٢) ويخاطب أتباعه قائلًا: "قوموا يا كرام"(٣) ويخاطبهم أيضًا: "صبرًا بني الكرام، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة"(٤)، ونتيجة لهذا الترابط الروحي رفضوا أن يتركوا الإمام الحسين (عليه السلام) لوحده بعد أن سمح لهم بالتفرّق عنه. النهضة الحسينية كانت متكاملة للإصلاح والتغيير، وكلّ مَن أسهم فيها هو معلّم ومرشد، فمواقف أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) وتعاملاتهم فيما بينهم تدفعنا إلى الاقتداء بهم. ............................... (١) الأمالي للشيخ الصدوق: ص٥٣٢. (٢) موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ص٤٧٤. (٣) من أخلاق الإمام الحسين (عليه السلام): ص ٢٢٢. (3) بحار الأنوار: ج ٤٤، ص ٢٩٧.