رِحلَةُ الإِبَاءِ

سهى البهادلي/ بغداد
عدد المشاهدات : 387

بعد يوم مليء بالمصائب والأحزان، نظرت السيّدة زينب (عليها السلام) يمينًا وشمالًا، لكنّها لم تجد غير الأجساد المقطّعة، والرؤوس المرفوعة على الرماح، والخيام التي أصبحت رمادًا، وإمام قد أنهكه المرض، وصُراخ الأيتام والأرامل، وأطفال تهرب من لهيب النار، وتشكو الظمأ، ونساء تبكي لفقدها الأحباب. وعلى الجانب الآخر خيمة ابن سعد لرجال فرحون لقتلهم الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، صاحب النفس الزكيّة، وما هي إلّا صبيحة الحادي عشر من المحرّم حتى أخذ الأعداء يحدون ببنات الرسالة أسرى إلى الكوفة، حرائر المصطفى مقيّدات بحبال الغيّ والضلالة، وفي مقدّمة النساء زينب الكبرى (عليها السلام)، كأنّها كعبة متّشحة بالسواد، تلوذ بها النساء من كلّ جانب، فواحدة تقول: سيّدتي أين ولدي؟ وأخرى تنادي: عمّتي أين والدي؟ وإذا بالسياط تتزاحم فوق متونهنَّ وهنَّ يلذنَ بها كالطيور التي تحتمي في أعشاشها، فهي الأسيرة والكافلة. رفعت زينب (عليها السلام) رأسها ونظرت إلى رأس قمر بني هاشم وهو مرفوع على رمح عالٍ، وقالت: أخي أبا الفضل، مَن يكفلني من بعدكَ يا قمر العشيرة؟ أكملوا طريق الحزن، حتى وصلوا الكوفة، فدخلوها وإذا بها تضجّ بالناس، بين مَن أكله الندم لأنّه لم ينصر الحسين (عليه السلام)، وبين مَن كان يغمره الفرح والضلالة لقتل أبي عبد الله (عليه السلام). هذه قافلة الحزن دخلت الكوفة، نساء مقيّدات بالحبال، تقع إحداهنَّ على الأُخرى من شدّة ألم السياط، وتعب المسير، وإمام أكلت القيود رقبته، وأذابت السلاسل يديه، نساء يلذنَ ببعضهنَّ من عيون قوم قد أعمتهم السلطة والجور، فنادت بهم أمّ كلثوم: يا أهل الكوفة، غُضّوا أبصاركم عنّا، أما تستحون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حرم رسول اللّه وهُنَّ حواسر؟! أدخلوهم على ابن زياد، ووضعوا رأس الحسين (عليه السلام) أمامه، فأخذ يضربه، ويشتم، ويقول: يوم بيوم بدر، فردّت عليه زينب (عليها السلام) بلسان أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) بكلام الحقّ الذي فضح يزيد وأعوانه بكلّ شجاعة، فأتمّت بذلك نهضة أخيها الحسين (عليه السلام)، وأكمل الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) بكلام أبكى العدوّ والصديق، فهمّ ابن زياد بقتله، فتمسّكت به عمّته وقالت: إذا أردتَ قتله فاقتلني قبله. تحمّلت السيّدة زينب (عليها السلام) الأذى والمصائب بشجاعة أبيها، وبسالة أمّها، وصبر أخيها سيّد الشهداء(عليهم السلام)، وأكملت مسيرة السبي بإباء غير مبالية بالأعداء، وقد أفهمت مَن به صمم، ثم عادت واستذكرت دخولها الكوفة وهي أميرة في حمى والدها أمير المؤمنين (عليه السلام) وكيف انتهى بها الحال أسيرةً بيد الأعداء.