رياض الزهراء العدد 184 ملف عاشوراء
كَربَلاءُ.. إِيثارٌ وأَثَرٌ
خلّف يوم عاشوراء أثرًا واضحًا في تأريخ العالم الإسلامي، بل على مستوى الإنسانية جمعاء، فأصبح يوم عاشوراء رمزًا للإيثار؛ لأنّ كلّ مَن كان حاضرًا في ذلك اليوم من الهاشميّين والأصحاب والموالين، لهُ موقف مُشرّف قد آثر به، وأصبح قدوة يُحتذى بها، ومصداقًا لهذه الكلمة العظيمة. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر:٩)، فالإيثار هو تفضيل الغير على النفس، وتقديم مصلحته على المصلحة الذاتية، وهو أَعلى درجات السخاء، وأكمل أنواع الجود، ومنزلة عظيمة من منازل العطاء. والإيثار فضيلة للنفس، بها يتنازل الإنسان عن بعض حاجاته التي تخصّه، حتى يبذلها لمَن يستحقّها. لقد آثر كلّ مَن كان في كربلاء الدين على الدنيا، والمصلحة العامّة على الخاصّة، وهم بنو هاشم وأصحاب الإمام الحسين (عليه السلام)؛ لأنّهم اختاروا أن يضحّوا بأنفسهم وأهليهم مقابل إحياء الدين، بعد أن أصبح الدين سلعةً تُباع من قِبل البعض ممّن ارتدوا عباءة التديّن من أجل مصالحهم. يوم عاشوراء لم يكن مجرّد يوم تقاتلت به فئتان، بل كان يومًا أقيم به الدين مرّة أخرى، بعد أن كاد بنو أميّة ومَن شاطرهم الحكم تغييره ومحو معالمه، فتصدّى لهم ثلّة من خيرة الآل والأصحاب، بذلوا الغالي والنفيس وآثروا ببذل النفس والولد في مقابل إحياء الدين والسنّة النبويّة الشريفة، ورفع راية الحقّ، ونصرة المظلوم، ودحض الباطل، ورفض الذلّ والهوان، فقد ضحى الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه وأولاده وأهل بيته، وضحى الأصحاب بأنفسهم، وتركوا الأهل، والنساء، وهجروا الأطفال، والعيال، والأموال، والتحقوا بركب سيّد الشهداء (عليه السلام) للدفاع عن دين الله، وعزّة الإسلام، وإعلاء كلمة الحقّ، فكلّ ضحى بطريقته الخاصّة. كلٌّ آثر نصرة الدين، الشيخ الكبير على نفسه، والزوجة على زوجها، والأمّ على ولدها، والأخ على أخيه وحامل لوائه، والأخت على أخيها وكبير عشيرتها، والأطفال على والدهم، وآخر ما أوثر به من أجل الدين في يوم الطفوف هو الطفل الرضيع، وشبيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وسبي النساء، ودموع الأطفال اليتامى، وحرق الخيام، وهنا يأتي السؤال: هل يوجد في كلّ العالم على مرّ الدهور والأزمان إيثار كهذا؟ والجواب: كلّا، فالإيثار يعني كربلاء، وكربلاء تعني الحسين وآل البيت والأصحاب (عليهم السلام)، وهم مَن جسّدوا معنى الإيثار روحًا وجسدًا.