رياض الزهراء العدد 184 ملف عاشوراء
مَشاهِدُ عَلى أَروِقَةِ الشَّهَادَةِ
أمّي، لا تقولي ماذا سأرتدي قبل أن أموت! كفنٌ، هذا ما يجب عليّ أن أرتديه الآن. لسانُ أبي في الوصيّة يخاطبني: أنتَ حلمي الأول والأخير، ومصباح وجهي حين أقف أمام أخي، ما جئتُ بكَ لهذا العالم إلّا من أجله، أنتَ أنتَ يا قاسم، فكربلاء ملحمة مخلّدة، ورأس عمّكَ مصباح الدين الذي يُوقد من شفق النحر، يحمل في قبضته السؤال: "ألا من ناصرٍ ينصرنا؟"(١). وهو يعلم أنّ ضمائرهم قطع بالية، لا يمكن لخيوط الحقّ ترميمها، يوزّع نظراته الغريبة على حشود الأشقياء، ولا يبصر سوى وجوههم تستجلي نظراته من بين كثبان الخيول الناقمة، فمن قبل أن تُفتضح أسرار أقنعتهم اذهبْ وامنحْ جسدكَ قليلًا من السيوف، حتى يعرف الآخرون كيف تكون حرًّا، وأوقد بنزفكَ الأرجواني جذوة الحقّ التي أوشكت الغربان أن تطفئها، اسعَ إليهم، ودَعْ سيفكَ يرتفع ويرتفع، حتى تتوقّف الألسنة عن الترقيم، فكربلاء تصبغ جدائلها الرمادية من دمائكم، ثم تغمر كفّها في الفرات وتضحك: يد الله يا مصباحي خلف سيفكَ تذري الرؤوس، والسيوف نائمة فوق الأجساد، ترسم على رأس طمأنينتهم خوفًا بوقعة الوقت الضخم، يستفهم عن موعد القيامة، كأنّها بين يديكَ تدفن كلّ الأحياء، ويلفّون الساق بالساق. اليوم بسيفكَ المساق، لا أحد بوسعه أن يفعل ما أنتَ تفعل، ولا أحد بوسعه أن يجعلني أبتسم وأنا أبصر أفعالكَ وأنتَ تقرأ لي بسيفكَ على هذا النحو الرائع: مشاهد على أروقة الشهادة. ................................. (1) الانتصار: ج9 ص9.