رياض الزهراء العدد 82 لحياة أفضل
لَحظَةٌ من فضلِك (سيّدي الرجل, سيّدتي المرأة)_ المساواة بين الأبناء
سيّدي الرجل من المؤكّد أن الأسرة هي نواة المجتمع وهي أساسه، والمرتكز الذي يرتكز عليه، كما أنها انعكاس لما يواجه من انحرافات تؤدي إلى انهيار قيمه ومبادئه، ولهذا فقد أولى الدين الإسلامي الأسرة المسلمة اهتماماً كبيراً عن طريق تشريعاته، ووصايا الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولم يهمل أيّ جانب من الجوانب مهما كان صغيراً، فنلاحظ أنه (صلى الله عليه وآله) في أحاديثه العديدة بيّن حدود العلاقات بين الزوجين، وبين الأم والأب وأولادهما، وبين الإخوة، وبين الجيران والأقارب والأصدقاء، كلّ هذا ليرسم لنا مجتمعاً نموذجياً مثالياً يرتقي بالإنسان المسلم إلى الدرجات العلى. ومن هذه الجوانب التي ركز عليها سيّد الأنام (صلى الله عليه وآله) هي المساواة في توزيع الحبِّ بين الأبناء وعدم الانحياز إلى أحدهم من دون الآخر؛ لأن ذلك قد يؤثر فيهم سلبيا كما أن الطفل لا ينسى الإساءة، فتبنى شخصيته على أساس هذه الإساءة، وعن الرسول (صلى الله عليه وآله): "اعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البرّ واللطف".(1) عن الإمام علي (عليه السلام): "أبصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلاً له ولدان فقبَّل أحدهما وترك الآخر، فقال (صلى الله عليه وآله): فهلّا واسيت بينهما".(2) وها هو إمامنا الباقر (عليه السلام) يوضّح لنا كيفية معاملة الأبناء بالعدل بشكل عملي، ويحذّر من مغبّة التفرقة بينهم فقد قال (عليه السلام): "والله إني لأصانع بعض ولدي وأجلسه على فخذي، وأكثر له المحبة، وأكثر له الشكر، وإنّ الحق لغيره من ولدي، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره، لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف إخوته".(3) ومن جهة أخرى فهناك بعض الآباء يفضّلون الذكور على الإناث إلى درجة حرمانهنّ من الإرث بوصية منهم، وهذا ما لا يرتضيه الدين والشرع، فعن الرسول (صلى الله عليه وآله): "مَن وُلدت له ابنة فلم يؤذها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها - يعني الذكور - أدخله الله بها الجنة".(4) سيّدي عليك مراعاة المساواة في تعاملك مع أبنائك فليس هناك ما يستوجب أن تزدري أحداً منهم دون الآخر، وتأسَّى بما قاله سيّد المرسلين (صلى الله عليه وآله): "أعينوا أولادكم على البرّ، مَن شاء استخرج العقوق من ولده".(5) ............................. (1) ميزان الحكمة: ج11، ص363. (2) ميزان الحكمة: ج11، ص363. (3) ميزان الحكمة: ج11، ص364. (4) ميزان الحكمة: ج11، ص362. (5) كلمات الرسول: ج1، ص257. *************************************** سيّدتي المرأة عزيزتي إن كلمة أمّ تعني الحنان والطيبة والرقة، ولا يليق بكِ أن تكوني غير ذلك، اللهمّ إلا في بعض الأمور المصيرية التي تستدعي أن تكوني حازمة، فالطفل دائماً يرى أمه ذلك الملاك الذي لا يمكن أن يخطئ وخصوصاً في حقه، فتجنّبي أن تشعريه بأنه غير مرغوب فيه، وأن أحد إخوته يأخذ في قلبك مكاناً أكبر منه؛ لأن ذلك يعرّضه إلى أزمة نفسية يبقى يعاني منها من دون أن تعلمي، فيبقى يكبت في نفسه الألم الذي يراه في كلّ حركاتكِ وسكناتكِ مع إخوته، فتتفاقم الحالة لديه وقد تصل إلى درجة المرض النفسي الذي يصعب علاجه. عزيزتي إن الطفل يتأثّر بشكل كبير بتصرفات أمّه فهي ملجؤه الأول والأخير، وهي بالنسبة إليه الكهف الحصين الذي لا بديل عنه، فعليكِ سيّدتي أن تراعي هذا الجانب، وأن تراعي الحيادية في كلّ تصرفاتك مع أطفالك بالتساوي، صحيح أن لكلّ طفل مكانة خاصة تختلف عن الآخر في نفس الأب أو الأم، ولكن الحبّ للأولاد لا يختلف، واعلمي بأن أيّ انحياز لأي أحد منهم سيؤثر في الإخوة الآخرين الذين سينقمون عليك طوال حياتهم، ويشعرون بالأسى خصوصاً إذا كانت التفرقة بين البنات والأولاد. واعلمي سيّدتي بأن هناك فرقاً بين العدل والمساواة، فليس من العدل أن تعاقبي الجميع إذا صدر عن أحدهم خطأ بحجة أنك تساوين بينهم في المعاملة، فهذا يُدخلك في دوامة الظلم والعياذ بالله. عزيزتي: كانت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قمّةً في الحنان عن طريق تعاملها مع أولادها بكلّ حنو وعاطفة، فقد كانت تنادي على ولديها الحسن والحسين (عليهما السلام) بثمرة فؤادي، وقرة عيني، كما جاء في حديث الكساء. ويُحكى أن إحدى النساء قيل لها: "أيّ أولادك أعزّ عليكِ؟ قالت: البعيد حتى يحضر، والصغير حتى يكبر، والغائب حتى يعود، والمريض حتى يشفى". إن العاطفة والشفقة للأبناء تكون بلا قيمة إذا لم تظهريها لهم بأسمى معانيها عن طريق تعاملك معهم، فلا تبخلي بأمومتك على أطفالك.