عاشوراء حول العالم عَاشُوراءُ فِي سَلطَنَةِ عُمَان

اعتدال درويش العجمي/ عمان
عدد المشاهدات : 559

يُحيي الشيعة في سلطنة عمان موسم عاشوراء مع أشقّائهم من أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في العالم، كونها من مصاديق الشعائر المعظّمة في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحجّ:٣٢)، وامتثالًا لوصايا النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام)؛ فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "رحم الله شيعتنا، شيعتنا والله هم المؤمنون، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة"(١). يُعدّ يوم عاشوراء من الأيام المشهودة والمقدّسة في قلوب المسلمين، وذلك لارتباطه بشخصية الإمام الحسين (عليه السلام) سبط النبيّ (صلّى الله عليه وآله)؛ ولذا لا عجبَ في أنْ تشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعًا مصوّرًا يُظهِر مشاركة أبناء السنة والأباضية لإخوانهم الشيعة في إحياء مراسيم عاشوراء في السلطنة، بهدف إظهار رسالة السلام للعالم، ونبذ الطائفية، ممّا يبرز حقيقة التعايش في السلطنة مع اختلاف المذاهب. ومثلما أنّ لعاشوراء احترامها وتقديرها، فمن أعلى هرم السلطة نجد مثالًا آخر يُحتذَى به في التعايش والتسامح؛ ففي خطوة أثنى عليها العديد من المسلمين في أرجاء العالم، أمر السلطان الراحل قابوس بن سعيد -رحمه الله-، بإطفاء أنوار زينة العيد الوطني في شوارع السلطنة وطرقاتها احترامًا لذكرى عاشوراء الحسين (عليه السلام). وقام آلاف المواطنين والمقيمين من مختلف الشرائح والطوائف بإحياء ذكرى عاشوراء، والملحمة الحسينية بإقامة مراسيم العزاء في المساجد والحسينيات والمآتم ومجالس الرثاء، وانطلاق المواكب الحسينية بقلوب مفعمة بالحبّ لأهل البيت (عليهم السلام) في مختلف مدن سلطنة عُمَان، تلبيةً لنداء سيّد الشهداء (عليه السلام). ولإحياء موسم عاشوراء في عُمَان طقوس، ومراسيم، وعادات، وأعراف تعاهدتها الأجيال المتعاقبة، نستعرض أهمّها في السطور الآتية: تسويد المآتم: تتميّز المدّة من الأوّل من المحرّم حتى نهاية شهر صفر بنشر السواد في الأماكن المخصّصة لانعقاد المجالس الحسينية، سواءً المآتم الكبيرة، أم الحسينيات الصغيرة، أم المنازل، حيث تُغطّى الجدران والمقاعد، وغير ذلك ممّا يمكن تغطيته بالسواد، وتُرفَع الأعلام والشعارات والجداريات الحسينية إعلانًا للحداد وإظهارًا للحزن على مصيبة سيّد الشهداء (عليه السلام) من جهة، وتعزيةً ومواساةً لأهل البيت (عليهم السلام) عامّةً، وللمولى صاحب الزمان(عليه السلام) خاصّة من جهة أخرى، ويتمّ التسويد قبل دخول شهر محرّم بأيام استعدادًا لاستقبال المعزّين، مثلما يلتزم الأغلبية من الرجال والنساء بلبس السواد، ونزع الزينة، وترك التبرّج، ومظاهر البهجة والفرح المتعارف عليها. إقامة المجالس: تُعدّ مجالس العزاء من أهمّ الطقوس والشعائر الدينية لِمَا لمقتل الحسين (عليه السلام) من دور رئيس في ترسيخ الدين وديمومة المعتقد، فهو من مشاهد الثبات على المبدأ والمطالبة بالحقّ. وتستمدّ إقامة المآتم ومجالس العزاء على الحسين (عليه السلام) جذورها من السنّة النبوية، وسنّة أهل البيت (عليهم السلام)؛ حيث شرّعت لتلك الشخصية من البكاء والجزع ما لم تشرّع لغيره، فكان أنْ جرت العادة بإقامة الشعائر الحسينية في مختلف الأشكال والصور من بداية شهر محرّم إلى اليوم العاشر، أو الثالث عشر (يوم دفن أجساد الشهداء)، أو حتى نهاية شهر صفر. وتُعدّ المجالس الحسينية في موسم عاشوراء من أول شهر محرم حتى العاشر منه الأهمّ على الإطلاق؛ لكونها تتقاسم المصيبة رغم حدوثها في اليوم العاشر مرتبةً بحسب الشخصيات والأحداث الأشهر في حادثة كربلاء، فتكون كثافة الحضور هي الأكبر في هذه المجالس لاستذكار الحدث، والتعبير عن الحزن بالبكاء ولطم الصدور. وتُمَارس طقوس أخرى تتضمّن مسرحة الحدّث، حيث تُقدّم عروض داخلية أو خارجية في الهواء الطلق تُسمّى "التشابيه"، تروي أحداث واقعة كربلاء، وتجسّد شخوصها الرئيسة، وتحضرها أعداد غفيرة من الناس. وتُرتّب المجالس الحسينية في عاشوراء مثلما هو المتعارف والأكثر شيوعًا؛ فيكون المجلس الأول لهلال شهر الحزن، والثاني للخروج من المدينة، والثالث للخروج من مكّة، والرابع لمقتل مسلم بن عقيل (عليه السلام)، والخامس لنزول كربلاء وعقد الرايات، والسادس للأنصار(عليهم السلام)، والسابع للعبّاس (عليه السلام)، والثامن للقاسم بن الحسن (عليه السلام)، والتاسع لعليّ الأكبر (عليه السلام)، وليلة العاشر للرضيع (عليه السلام)، ويُخصّص مجلس يوم العاشر لمقتل الحسين (عليه السلام)، يليه مجلس أحداث ليلة الحادي عشر، وتسمّى بليلة الوحشة، ثم مجلس الخروج من كربلاء، ثم الختم بمجلس الدفن، والختم يكون عادةً يوم الثالث عشر من المحرّم. ويبدأ المجلس الحسيني بإلقاء نوحية (مرد) أو أكثر؛ والنوحية أو المرد هي نوع من الشعر الشعبيّ الرثائيّ يتناول عادةً الشخصية أو المناسبة المنعقد لها المجلس، تقوم على ترديد الحضور لمستهل القصيدة مع اللطم الهادئ، إمّا على الرجل وإمّا على الصدر بعد كلّ مقطع أو فقرة. وهناك مجموعة من الكتب المشتهرة في هذا المجال، منها الجمرات الودّية، والفائزيات، والمنظومات، وغيرها من الكتب الحديثة، ويعقب النوحيات قراءة حديث الكساء الشريف أو صفحات من كتاب (المنتخب في جمع المراثي والخطب للطريحي) المعروف بالفخري، وفي هذه الأثناء قد يُوزّع على الحضور الشاي، أو القهوة، أو الأطعمة الخفيفة، ثم يُقرأ (الشاووش)، وهو عبارة عن مجموعة أبيات شعبية تكون رباعية قصيرة عادةً وتُختم بالتماس الصلاة على محمّد وآله باللغة الفارسية، ويُقرأ (الشاووش) بطريقة أو بطور خاصّ قبل صعود الخطيب، أو الخطيبة، أو الملّا، أو المّلاية المنبر، إذ يبدأ بالمقدّمة أو السلام، ثم القصيدة الفصيحة، وبعدها النعي، ثم يستهلّ خطبته أو محاضرته بالصلاة على محمّد وآله، ولعن ظالميهم. تتناول المحاضرات المنبرية مواضيع في الدين والأخلاق والعقيدة والفقه والقيم الإسلاميّة، ثم يتطرق الخطيب لسرد جزء من السيرة الحسينيّة أو قصّة كربلاء اتفاقًا مع المناسبة أو الشخصية المنعقد لها المجلس، متخلّلًا ذلك متفرّقات من النواعي المتنوّعة، ثم يُختم المجلس بمجموعة من اللطميات، وهي نوع آخر من المرد الحماسي تارةً، والهادئ أخرى، يتمثّل في مجموعة من الشعر الفصيح، أو الشعبيّ يُقرأ وقوفًا. وتُختم المجالس يوميًا بدعاء الفرج، وبالدعاء لقضاء حوائج الحضور، والزيارة العامّة، والفاتحة معطّرة بالصلاة على محمّد وآل محمّد. الفواتح: ويُطلق اسم (الفاتحة) على كلّ ما يُقدّم للحضور في المجالس الحسينية؛ لارتباطها بقراءة سورة الفاتحة في نهاية المجلس، وعادة ما يتلاءم نوع الفاتحة ومناسبة المجلس، فخلال أيام عاشوراء توزّع المياه لِماَ لها من مدلول تاريخي، إضافة إلى الفواكه والمأكولات والأغذية والأطعمة والمشروبات الأخرى. ومن أشهر الأطعمة (الهريسة) المعدّة من القمح المهروس مع اللحم، وتوُزّع كغيرها من وجبات (الفاتحة) على كلّ الموجودين، وعلى المنازل. متغيّرات حسينية: هنالك عادات تأثرت بالمتغيّرات في المجتمع العماني كغيره من المجتمعات؛ فمنها ما سقط من أجندة العادات العاشورائية، ومنها ما استجدّ كحملات التبرّع بالدم، فقد فاجأت الطائفة الشيعية في سلطنة عُمَان العالم يوم عاشوراء بطقوس جديدة استشعارًا روحيًا لهذا اليوم، مثلما أصبحت الطوائف الأخرى في الآونة الأخيرة يشاركون أشقّاءهم الشيعة في إحياء اليوم العالمي لعبد الله الرضيع (عليه السلام) في الجمعة الأولى من شهر محرّم، واستثمار الحدث للتوسّل وطلب الحوائج، لا سيّما الذرّية. ومن المستجدّات إقامة الأمسيات الشعرية، والمحافل التأبينية التي تتناول القضية الحسينية من كافّة جوانبها، إضافةً إلى تطوير المجلس الحسيني وأسلوب الخطابة، وقد أصبح الشيعة العمانيّون من السائرين إلى طريق الحسين (عليه السلام) في زيارة الأربعين، تأسّيًا بموكب السبايا الزينبي ومسيره. ............................................ بحار الأنوار: ج ٤٣، ص ٢٢٢.