قَلبِي حَرَمُ رَبِّي
ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "قلوب العباد الطاهرة مواضع نظر الله سبحانه، فمَن طهُر قلبه نظر إليه"(١)، فقلوبنا أوعية المحبّة لله (عزّ وجلّ)، وكلّما رقّت وطهرت، حظيت بالفيض والفضل، ونالت نظرة الرضا من الأعزّ الأجلّ. إنّها حرم الله تعالى الذي لا ينبغي أن تكون لغيره، والمحلّ الذي لا يستحقّ سواه أن يكون له، فهنيئًا لمَن أعدّها لتكون عرشًا لربّه، وأبعد عنها الأغيار وفاز بقربه، ومن أجل الوصول يحتاج العبد إلى اليقظة والحذر التامّ، فالغفلة تجعله بعيدًا عنه تعالى، قريبًا من وحل البُعد والآثام، فالمرء واقع بين دعوتين: دعوة ربّانية بأن يكون الحاكم على قلبه ربّ البريّة، ودعوة شيطانية دنيوية بأن يكون الشيطان والدنيا مَن يحكمان قلبه، ويتصرّفانِ في شؤونه بالكلية، ولا سبيل للجمع بين الدعوتين، مثلما أنّ الليل والنهار لا يجتمعان، كذلك حبّ الدنيا وحبّ الرحمن، الأمر الذي يفرض على العبد الجهاد المستمرّ؛ لئلّا يركن إلى الدنيا ويغفل عن ربّه، فيتراجع ويتقهقر، فالسقوط لا يحدث فجأةً وبلا مقدّمات، بل ثمّة عوامل تتفاعل في قلب العبد حتى يواجه هذا المصير التعيس، فيغزوه الاضطراب والشتات، وهذه العوامل هي الأمراض الروحية التي تصيب المرء في المعتقد والأخلاق. وإذا لم يحظَ القلب بالمراقبة الدائمة، فإنّه مهدّد بخلوّه من حبّ الله تعالى، واستيطان الظلام والنفاق فيه، ومن ثمّ سوء العاقبة المفضي إلى الهلاك ما لم ينتبه العبد ويضجّ إلى ربّه، يسأله العفو، والفكاك والانعتاق من النار. وكي يكون القلب حرمًا لله تعالى، فلا بدّ من التفكّر في الآيات الآفاقية والأنفسية: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فصّلت: ٥٣)، فإدامة التفكّر والتدبّر يؤدّي إلى تعظيم الخالق المصوّر، ومَن طال تفكّره عمُر قلبه بالتقديس لخالقه، واستنارت بصيرته. مثلما لا بدّ من التأمّل في النِعم الإلهية، فالإنسان أسير اللطف والإحسان، ومتى تأمّل في نِعم خالقه، ذاب في شكره، وتفجّرت في قلبه ينابيع الحمد والحبّ له، فيستحي أن يتوجّه إلى غيره، أو يطرق غير بابه. وأخيرًا، صدق الارتباط بأهل البيت (عليهم السلام)، والوفود بهم على الله سبحانه، فمَن أدمن قرع أبواب كرمهم، عاد بغزير العطاء، وجزيل المِنَح الموجبة للسموّ والارتقاء، فهم الوسيلة إلى الله، وسفينة النجاة وسط أمواج الحياة، فلنتأمّل سيرتهم، ولنعمر أوقاتنا بقراءة كلامهم ومواعظهم وأدعيتهم، كي نفرغ ساحة قلوبنا لربّنا، علّنا نحظى بألطاف عنايتهم، ونكون أهلًا لننهل من نمير حبّ الله تعالى. ...................................... (١) ميزان الحكمة: ج ٣، ص ٢٦٠٧.