أَحلَامُ الشَّيبِ

د. إسراء محمّد العكراويّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 152

هل بقي من العمر شيء؟ نعم، بقي منه جسد مُنهك، ورأس شيّبته الهموم، وأمل أخير. لكن هل يقوى هذا الجسد المُنهك على تحقيق الحلم؟ هل تقوى هذه اليد المرتعشة على حمل السلاح؟ وهل تقوى هذه المفاصل المتعبة على مواجهة برد الجبهة، والكرّ والفرّ؟ لِمَ لا؟ ألم يكن حبيب بن مظاهر الأسديّ شيخًا في يوم الطفّ يربط جبهته بعصابة تمسك حاجبيه عن أن يتهدّلا على عينيه فيحجبا الرؤية؟ لكنّه كان ثابت الجَنان، راسخ الإيمان، لم يمنعه كبر سنّه عن تلبية النداء، وتقديم العون والنصرة لابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فحاز بذلك شرف قيادة الأنصار في جيش الحسين (عليه السلام)، يتلوه شرف الشهادة بين يديه. وها هو الحسين (عليه السلام) ينادي أنصاره من جديد، فالفرصة سانحة للحاق بالركب الحسيني، ونيل شرف الدفاع عن العقيدة، وعن الأرض والعرض والكرامة، فهبّ الكهول مستجمعين بقايا عزمهم، يسابقون الشباب، وربّما غلبوهم أحيانًا، إذ كانت النار تغلي في الصدور، فالدموع التي جرت على وجوههم لذكرى سبي زينب (عليها السلام) تأبى لهم القرار وهم يرون حرائر الوطن في أيدي أجلاف يزيد وجلاوزته اليوم. وما دامت فتوى الدفاع المقدّسة لا تستثنيهم، فهم أهل لها وفرسانها، يتقدّمون صفوف المجاهدين في الحرب وفي الصلاة. ولأكفّهم المرفوعة بالدعاء كرامةٌ عند الله (عزّ وجلّ)، فلا يردّ تضرّع شيبة كريمة بين يديه إلّا بالإجابة، فسلام عليهم يوم لبّوا هتاف الدفاع، وسلام عليهم يوم رفعوا الهِمَم وشدّوا الأزر، وسلام عليهم يوم بسطوا أيديهم بالدعاء، ونادوا هاتفين: ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ (الصفّ:١