رياض الزهراء العدد 184 الحشد المقدس
نَمُوتُ بِعِزٍّ
لحظات مرّت عليّ في ذلك الليل البهيم، بين أزيز الرصاص ودويّ الانفجارات، في قاطع سامراء من يوم ١٠/ ٣/ ٢٠٢٢م الذي استرجعت فيه كلّ ذكرياتي كشريط سينمائي يمرّ من أمامي وأنا أتماهى في عوالم الملكوت، أنتظر عروج روحي إلى بارئها بشهادة طالما انتظرتُها، واستعددتُ لها جيدًا. بدأتُ بذكرياتي من آخرها قبل نصف ساعة من الهجوم، تقريبًا في الساعة (١٢) ليلًا، حيث اتّصلت بي زوجتي وأولادي الأربعة اتّصالًا فيديويًا ليخبروني أنّ البيت قد أظلم بعد التحاقي بالقاطع، فطمأنتهم عليّ، وفجأة حدث هجوم مباغت، فأخبرتُ زوجتي الحامل بأنّني سأنام كي لا تقلق عليّ، وودّعتُها وأطفالي، وأخذتُ سلاحي، وتمركزتُ في موقعي لصدّ الهجوم، واستمرّت المواجهات حتى أصابني القنّاص فوق عيني، فازداد يقيني بأنّني على مقربة من عاشوراء وشخوصها، والشهادة. كانت دمائي تغطّي وجهي وجسمي، فتذكّرت عين مولاي أبي الفضل العبّاس (عليه السلام)، فازددتُ عزيمةً وإصرارًا في المضي قُدمًا لحماية مرقد الإمامين العسكريّين (عليهما السلام) حتى الرمق الأخير، إنّها الشهادة التي طالما تمنّيتها منذ عام ٢٠١٤م، في واجبي الديني والوطني بالدفاع عن مقدّساتي، وأرضي وعرضي من الدواعش، على الرغم من معارضة الكثيرين لي لمواصلتي طريق الدفاع والمقاومة من دون مقابل مادّي، بل على العكس، كنتُ أعمل في الإجازة بجهد مضاعف؛ كي أوفّر لقمة العيش لعائلتي، ولأكسب أجرة التحاقي بجبهات القتال المستعرة حينها، لأنّني كنتُ أردّد دومًا: إن كنّا سنموت حتمًا، فلنمت بعزّ، وهنيئًا لنا الشهادة إن طُلناها. توقّف قطار ذكرياتي بلوحاته الحزينة، ورفقائي لم يجدوني بعدُ، تطلّعتُ حينها إلى الإمامين العسكريّين (عليهما السلام)، وناجيتُ مولاي صاحب العصر والزمان ـ روحي فداه ـ في خلوتي الأخيرة: ها أنا ذا أخيرًا، سألتحق بركب الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد طال شوقي لمرافقة حبيب، وعابس، وبُرير بن خضير، وبقيّة شهداء كربلاء؛ لأنّ معركتنا مع الدواعش الأرجاس فرع من عاشوراء، فاقبلوني في ركابكم أيّها الأطهار. وما بين مناجاتي، وحسراتي، ودعواتي إلى ربّي أن يكتبني من الشهداء، تعالت صرخات رفيقي مؤمّل الذي وجدني، فصاح غاضبًا: فاضل، فاضل عليوي، أنتَ مصاب. سآخذ بثأركَ يا رفيقي، فأخذ سلاحه وقاتل قتال الأشاوس، إلّا أنّه أصيب أيضًا. وبعد انتهاء الهجوم نقلونا إلى المستشفى، وفي الطريق رأيتُ أنّ الطريق قد تغيّر، كأنّه طريق قديم عمره مئات السنين، ورأيتُ قافلة الإمام الحسين (عليه السلام)، فتاقت روحي لمواكبتها، وهامت نحوها على صرخات رفقائي، وهمهمات مؤمّل وهو يهزّ كتفي قائلًا: إنّها الشهادة يا فاضل، سنموت مثلما كنتَ تقول دائمًا: سنموت بعزّ. التحقتُ حينها بركب الإمام الحسين (عليه السلام)، وانتظرتُ مؤمّلًا، ولم يطل انتظاري طويلًا، فقد بقي جريحًا ٢٠ يومًا في المستشفى، ثم لحق بي، وعندما تلاقت روحانا قال لي: مثلما قلتَ يا فاضل: سنموت بعزّ.