رياض الزهراء العدد 184 منكم وإليكم
إِدراكٌ لا إِصرَارٌ
في الحقيقة يتغيّر الإنسان من حين إلى آخر، تفكيره، اهتماماته، نظرته إلى الأمور، ويعدّ هذا الأمر طبيعيًا؛ لأنّ الإنسان كائن قد ميّزه الله تعالى بالعقل، فمن الممكن أن نؤمن بفكرة ما، ونصرّ على كونها سديدة وذات مغزى، لكن ليس من الخطأ أن نغيّر قناعاتنا عنها في اليوم التالي، أو قد نصرف النظر عنها، وهذه الخطوة ليست تبطّرًا، إنّما هي من فضل الله (عزّ وجلّ) الذي وهبنا العقل، ومنحنا التريّث في اتّخاذ القرارات، فبالتأكيد سنتنازل عن إصرارنا لوجود دليل مقنع أقوى ممّا وجدناه في المرّة الأولى، ونجد القرآن الكريم في العديد من آياته يذكر أهمّية التفكّر، فبعض منها ورد فيها مفهوم (التفكّر) بصورة مباشرة، كقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾ (المدثّر: ١٨)، وبعضها بعبارة (النظر)، حيث تعني التفكّر، مثلما جاء في قوله تعالى:﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾ (عبس:٥)، فالقوّة الإدراكية هي ما يميّز الإنسان عن سائر المخلوقات، وهي القوّة عينها التي توصل الإنسان إلى معرفة الله تعالى، التي نميّز بها بين الحقّ والباطل؛ فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "أصل العقل الفكر، وثمرته السلامة"(١)، فتشير الرواية إلى أنّ العقل الذي وهبه الله تعالى لعباده، لم يهبه بدون حكمة، فالحكمة تقتضي أن يستخدم الإنسان عقله في التفكير، وإلّا صار هو وفاقد العقل سيان. فالعقل حجر الأساس لمعرفة وجوه الحياة المختلفة وفهمها، وهو الأداة التي يمكن أن يُحصّل بها العلم، ومن ثمّ الانتقال إلى الاستقرار النفسي، والعاطفي، والمادّي الذي يضمن للإنسان الحياة الكريمة التي رسمها الله سبحانه وتعالى له. .................................. (١) موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام): ج ٨، ص ٥١٩.