أَأَخذلُ نَفسِي؟!
كأنّني أقف وسط الصحراء والقتامة قد عسعست فوقها شيئًا فشيئًا حتى غلّفتها.. بجانبي تناثرت دُرر الأصحاب، ومن أمامي شمخ ابن خير الأصلاب.. وكأنّ صوتًا جليلًا أصيلًا تناهى إلى مسمعي: "هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملًا"(١) إمامي.. سيّدي.. يا سبط مَن قال: أمّتي أمّتي.. يا بن مَن قالت: يا ربّ شيعة وُلدي.. يا بن مَن طلّق الدنيا ثلاثًا.. يا سيّد شباب أهل الجنّة.. أتتفضّلون علينا بفيض شفاعتكم ونحن نضنّ عليكم بالنصرة وأنتم الأغنياء عنّا؟ نحن المحتاجون إليكم، أتنصروننا يوم الفزع الأكبر ونخذلكم في هذا العالم الأبتر؟! سيّدي.. علّمتمونا الإيثار والتضحية في الحياة بدءًا من المواقف الصغيرة، فروّضتم أنفسنا لنسمو بها عن حبّ الدنيا، ونهيم في عشق الله (عزّ وجلّ)، وشغف لقياكم ونصرتكم، فنصل خِفافًا إلى هذه اللحظات، لحظات الحقيقة. فهل أخذلكَ الآن وأنا أقف بين يديكَ؟! أأحرم نفسي فرصة إثبات إيماني الحقيقي بالله (عزّ وجلّ) وموالاتكم الراسخة في وجداني؟ أوليس جدّكَ (صلّى الله عليه وآله) الذي قال: "أشدّ الناس بلاءً في الدنيا النبيّون، ثم الوصيّون، ثم الأماثل فالأماثل، وإنّما يُبتلى المؤمن على قدر أعماله الحَسَنة، فمَن صحّ إيمانه وحسن عمله اشتدّ بلاؤه، ومَن سخف دينه وضعف عمله قلّ بلاؤه"(٢). مولاي.. ألم تقل: "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون"(٣). سيّدي.. هل أبخل على نفسي فأمنعها من تقديم هويّة عشقها وإخلاص إيمانها من على أشرف منبر؟ منبر بَضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ سيّدي.. إن تركتكَ وخذلتكَ.. خذلتكَ؟! لا والله.. أنا أخذل نفسي إن تركتكَ وحيدًا.. وحاشا لليل أن يستر ذلّ هروبي، وعار التخلّي عن أشرف عترة وأنبل مسيرة! ......................... (١) موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ص ٤٧٩. (٢) بحار الأنوار: ج٤٦، ص٢٢٢. (٣) المصدر السابق: ج٤٤، ص٣٨٣.