خَطْبٌ مَا قَد حَدَثَ
الفجر المتجمّر يغور ليغتال بياض عينيه، يمسح العامود المتّصل بينه وبين شجرة طوبى بأشعّة حمراء، فالوجود كلّه يحترق! جَلَبة وصخب، يهرول عالم الإمكان بكلّ ما يحويه بطن الفُلك نحو روح الحسين (عليه السلام)، وينجذب انجذابًا إلى مركز قوّته، لا يقوى أن يبقى متفرّجًا أمام الكارثة، يسرع ويسرع حتى يرتطم بإرادة الله (عزّ وجلّ) في تسليم السيّد العظيم، فيتراكم ويتكدّس على بعضه البعض كموج جُنّ جنونه بين مَدّ وجَزْر، صارخًا مُعوِلًا، باكيًا بشكل هستيري، يضرب بكلتا يديه حواجز الوهج اللاهوتي كمَن يضرب على زجاج نافذة، والبرق يعصف في وسط الوهج في شَطَط، لن يقوى مخلوق على الإطاحة بهذا الحاجز وكسره، فالوجود كلّه سينكسر كضوء مرّ على ماء، سيبقى محطّمًا يفترش البراويز ليتخيّل ما يجري في صور الخيال من اختلاجات.. مَنْ يا تُرى باستطاعته أن يدرك لحظة العروج؟! سنخوض في الشلّال ولن نبتلّ، سنشدّ الرحال ونُحرم، ولن نصل. إنّها ليست لُحيظات، بل سنين طويلة ستُلقى مثل باقات ورد في بُؤَر درب التبّانة نَمَشًا في وجه الفضاء، نُدَبًا على هامات الملائكة الذابلة، كوابيس مرعبة مرسومة على آيات الخزف في قصور الرضوان، ومنذ ذلك الحين والكلمات عاجزة عن الوصف، فتلدّغت وأُكمدت واغتمّت، ونُكبَت، وفُجعت، ووهنت، وأُجهدت، وثُقلت، وأُعيت، وحزنت، ثم تبدّدت كقَشّ يحترق، ويملأ فم السحب بهبائها.. تتصاعد وتيرة الترانيم الحزينة الشبيهة بالنواح، وتعصف بالريح، وتلطم أوراق الشجر على صدور بعضها البعض، وتعوي الذئاب وسباع البراري، وترتفع درجة حرارة الكون، ويحمرّ جبينه من لون طعناته، وتنهار حيتان البحار، ويعلو صراخها على صخب المحيطات.. فالمجد كلّ المجد لمَن ترتفع روحه المعذّبة وهو يهدّئ العالم كي لا يحترق.. والخلود كلّ الخلود لمَن يُذبح كالكبش بلا اعتراض ولا رادع، خلف تلال الرمال الموحشة المقفرة.. والحبّ كلّ الحبّ للظامئ الذي يروي عطش القلوب مدى الدهور بعذوبته.. والسلام كلّ السلام على سحر القُدرة وسرّ الإله..