نَبضٌ عَاشُورَائِيٌّ يُعِيدُ سَامُرَّاء

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 184

مرّة في كلّ عام تلتقي الذكريات أمام بوّابة الأحزان، يقطنها ذبول وشرود ! تجفل أجفانها عن محافل الأنس والفرح.. لتصبح الأفراح غيمة صبح يبدّدها المساء.. فحين دوّى ذاك الانفجار في ليلة لا تشبهها ليلة.. انهارت كلّ البيوت، وصارت رمادًا ودخانًا كأنّ يوم العاشر من المحرّم قد عاد.. سُمعت مآذن المساجد، وأجراس الكنائس المنهكة بالبكاء.. وأصوات المدن أصبح لها صدىً يعزف أنين السماء الملوّنة بالدماء.. وتلاشت صور الأمان، وغابت ملامحه تحت ردم وركام، وتشظّت ضلوعه إلى جمر وحطام.. وشهداء عانقت أجسادهم الثرى، تلقي أرواحهم السلام على المدينة السرمدية.. تستحلفها بالله أن تنهض من جديد، وتنفض عنها ذلك الغبار البغيض، غبار الحقد الملعون.. ترجوها بالله بأن تتلألأ وتشرق في ضريحي العسكريّين من جديد.. فلا تظنّ بأنّها عادية مفعمة بالجراءة، آفاقها عنيدة واسعة طموحاتها كلّ شيء في مدينتي العتيقة ذو لسان.. حين تسأله عن تلك السنين العجاف فسيجيبكَ ويخبركَ حرفًا حرفًا، وسطرًا سطرًا قبل أن ينقشه على جبين الريح.. بأنّ سامرّاء ستعود بالمجد، وستتحرّر من أضغاث المخاوف.. وستخرج من سجون النفوس الأمّارة.. وستنكّس أعلام الأعداء، وتخرجهم صاغرين يلبسهم العار، وسيضحون منها خائفين.. وأنّ المنارتين تحالفتا مع شمس القبّة العصماء لتشرقا ضياءً خالدًا وكمالًا.. واعلم أنّ النور الذي ترسله سامرّاء من خلف الأحزان هو قوّة ملهمة تشرح الصدر في انتظار الأمل.. كأنّما هذه الأشعّة لم تُزَل من ذلك الأمس العظيم.. تنطق بمعاني المناجاة.. تحمل تفاؤلًا وعنفوانًا يصرخ بكلّ يائس.. كفاكَ! كفاكَ! فها هنا في موطن الإيمان الراسخ، لا يُقبل أنين الذاكرة.. ولا يُقبل العالقين الذين يمضون بقيّة حياتهم في غياهب النسيان.. ولا يُسمع صراخ النبض بصوت مبحوح.. بل يُستنشق عبق الشموخ الفوّاح بين الأزقّة والطرقات.. حيث يقف جموع المنتظرين بجميل الأمل.. ويُسمع نبض من العشق الإلهي يخترق الآهات.. ويأتي بنفحات تشقّ صمت الليل الكئيب.. فلا شيء يضاهي وجه مدينتي العتيقة، سليلة الياسمين..