الصَّرخَةُ الزَّينَبِيَّةُ والإِعْلَامُ المُعَاصِر

تحقيق: أزهار الخفاجي
عدد المشاهدات : 916

لقد أنتجت ثورة كربلاء إعلاماً رسالياً وجهادياً هادفاً أطّرته خطب السيدة زينب (عليها السلام) إذ قادت الحملة الإعلامية في أثناء ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وبعد استشهاده وكانت بمثابة الناطق الرسمي باسمه واضطلعت بدور إعلامي ليس له نظير؛فالثورة الحسينية خلّدها الإعلام الزينبي على مرّ العصور، فقد كان للسيدة زينب (عليها السلام) دورٌ فاعلٌ في إظهار حقائق النهضة الحسينية. فما سبب نسبة الدور إليها بالذات؟ وهل أن الإعلام النسوي في وقتنا الحاضر ارتقى بالمستوى الذي نهضت به السيدة زينب (عليها السلام)؟ التقت رياض الزهراء (عليها السلام) بنخبة من المجتمع، وكان هذا اللقاء في سياق الحوار الآتي: فأجاب الدكتور سالم جاري/ باحث في علوم القرآن حول تساؤلنا عن الدور الإعلامي الذي أدته السيدة زينب (عليها السلام) قبل استشهاد الإمام (عليه السلام) وبعده: كان للسيدة زينب (عليها السلام) في ثورة كربلاء مواقف مهمة كشفت عن عمق إيمانها ورجاحة عقلها، فقبل بَدء المعركة قامت بإثارة مشاعر الأنصار عن طريق تحشديهم لشحذ هممهم واختبارهم، عندها وقف الشيخ حبيب بن مظاهر الأسدي وأنصاره مرتجزين وأيديهم على سيوفهم تعبيراً منهم لنصرة الإمام الحسين (عليه السلام). كذلك استمرت بمشاركة أخيها إعلامياً في أثناء المعركة إذ قدّمت له جواده، وأيضاً حين أطلقت صرختها المدوية عند وقوفها على رأس أخيها وهو يجود بنفسه قائلة لعمر بن سعد (لعنه الله): أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! وعلى الرغم من قسوته دخلت كلماتها إلى قلبه كالسهم ودَمِعت عيناه وصرف بوجهه عنها، ولمّا أرادت إيقاظ الضمائر وإثارة المشاعر والعواطف في نفوس من ماتت في قلوبهم، ندبت جدّها وخاطبته (وا محمداه، وا جدّاه، وا نبيّاه وا أبا القاسماه، وا علياه، وا جعفراه، وا حمزتاه، وا حسناه، هذا حسين بالعراء، صريع بكربلا، مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء)(1) وكان ذلك حين وضعت يدها تحت جسد أبي عبد الله (عليه السلام) وقالت: (اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان)(2) فما كان من الظلمة إلا أن قاموا بإبعادها عن أخيها. وكان لها موقف آخر مع أهل الكوفة، فهم الذين قدّموا المواثيق والعهود لنصرة الإمام (عليه السلام) لكنهم خذلوه في اللحظة الأخيرة، إذ كان خطابها لهم بمثابة تأنيب على غدرهم بابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ قالت لهم: (فإنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا)(3) فأثار خطابها الكثير منهم مما أدى إلى ظهور حركة التوابين. أما حين دخولها الشام فقد اختلفت الظروف والناس، إذ كان أهل الشام يناصبون العداء لأهل البيت (عليهم السلام)فقد خدعتهم الدعايات الأموية وزيفت حقيقة أهل البيت (عليهم السلام)عندهم فصاروا لا يعرفون الحق من الباطل، ففرض عليها التكليف الشرعي كشف الزيف الأموي والتعريف بأهل البيت؛ لتوقظ الضمائر التي عاشت في سبات. واستمرت السيدة زينب (عليها السلام) في رسالتها الجهادية حتى حين وصولها إلى المدينة؛ لإيقاف الناس على حقيقة ما جرى في كربلاء وإظهار ظُلامة أخيها وأهل بيته (عليهم السلام)جالبةً العواطف الصادقة. وفي معرض حديث للدكتورة بيان العريّض/ مستشارة في وزارة الثقافة. عن سبب نسبة الدور الإعلامي في كربلاء إلى السيّدة زينب (عليها السلام) قالت: أنا أعترض على بعض المفسرين الذين قالوا إن هذا الدور نُسبَ إلى السيّدة زينب (عليها السلام)؛ لأنها كانت امرأة. فهي أكثر تأثيراً في العقل والنفس، خاصة إذا كانت هناك ظروف إنسانية صعبة؛ لأن هذا القول مجافٍ للحقيقة، فالسيدة زينب (عليها السلام) ليست بالمرأة العادية التي ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها إضافة إلى أنها سليلة الدوحة الهاشمية وقد ترعرعت في كنف أطهر مخلوقات الرحمن أماً وأباً وجدّاً ودرجت في محيط الوحي والتنزيل، واغترفت من معدن العلم والحكمة، وهي التي لم تثنِ فيها الرزايا شيئاً من قوة شخصيتها وعمق إيمانها وتجلّدها، ولم تتكل على رفيع حسبها ونسبها، لتوضح ظُلامتها وظُلامة مَن معها، بل استندت إلى عمق ثقافتها الدينية، فكانت فصاحتها وبلاغتها تُنبّىء عن عمق تدينها وارتباطها الوثيق بالدين الإسلامي الحنيف. ولو أن أيّ رجل وقف وقفة زينب (عليها السلام) لما أحدث الأثر الذي تركته في النفوس؛ لأنها زينب بنت علي (عليهما السلام) وليس لأنها امرأة. وقالت العريّض: يجب على كلّ إعلامية أن تقتدي بإعلام السيدة زينب (عليها السلام) الذي اعتمد على أسس وثوابت كالشجاعة والوضوح والصدق والتسلّح بالمنطق مع شموليّة الطرح وتغطية الحدث بتفاصيله ولا تترك ثغرة لنفوذ شيء من الإعلام المضلّل للصورة الإعلامية الحقيقية، إذ كان ردّها بكلّ خطبة وخطوة وزفرة أطلقتها أخت أبي الأحرار (عليه السلام). وسألنا إحدى المبلغات مُدرّسة في ثانوية نازك الملائكة فأجابت: تصدّت السيدة زينب (عليها السلام) لهذا الدور مع وجود الإمام زين العابدين (عليه السلام) وخطبه التي كان لها التأثير الكبير في النفوس، ولكن هناك ظروفاً حالت دون تصدّيه حفاظاً على حياته؛ لذا أسند هذا الدور إلى العقيلة (عليها السلام) فكان تأثيرها في الرأي العام لا نظير له عن طريق خطبتها التي خلّدها التاريخ بسجله وتناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل ورسخت في القلوب والعقول ليستلهموا منها الدروس والعبر. هل الإعلام المعاصر استطاع النهوض بالمسيرة الإعلامية بالمستوى الذي نهضت به السيدة زينب (عليها السلام)؟ فتوجهنا بالسؤال إلى الأخت ليلى إبراهيم/ بكلوريوس صحافة فقالت: إن الإعلام في وقتنا الحاضر يحمل بعض قيم الإعلام الكربلائي، ولكن ليس بالمستوى المطلوب؛ لأن الصرخة التي أطلقتها السيدة زينب (عليها السلام) كانت لإنقاذ البشرية جمعاء من الظلم والجهل اللذين أنهكاها ونخرا جسدها فأصبحت ممزقة، إذ كانت رسالتها شموليةً وبعيدة عن المصالح والفئوية، فأدّت دوراً إعلامياً ليس له نظير. وفي هذا الصدد تقول الأخت لمياء هلول/ ماجستير تاريخ: لقد حملت العقيلة زينب هذه الأمانة بشدة وأدت ما عليها من حق وبقيت تلك الأمانة يحملها السابقون ويسلمونها للّاحقين حتى وصلت إلى زماننا هذا، فانبرت بعض المؤسسات الدينية لحمل تلك الأمانة، فنجح بعضها وأخفق بعضها الآخر، أمّا الإعلام الموجّه لخدمة مرامي الشيطان وأهوائه فهو بعيدٌ كلّ البعد، بل لا سبيل للموازنة بينه وبين الإعلام الذي بدأه الإمام الحسين (عليه السلام) وسارت عليه السيدة زينب (عليها السلام) فهو لا يحقق ما قامت به (عليها السلام) في واقعة كربلاء وما بعدها. لقد أحدثت السيدة زينب (عليها السلام) تغييراً جذرياً في المجتمع آنذاك إلى يومنا هذا وهو ناتج عن عبقريتها الإعلامية وأسلوبها الذي يتغير مع طبيعة الظروف والمرحلة والناس. ونحن نعيش الذكرى الأليمة لرحيلها في 15 من شهر رجب، فالسلام على مَن ارتقت فوق جراحاتها وحزنها لتقوم باستكمال ما بدأه أخوها الإمام الشهيد، وفي مثل هذا اليوم نقول: ليكون إعلامنا جهادياً إنسانياً وصادقاً، ونرفض كلّ ما هو باطل كي نقتدي بسيدتنا العقيلة التي قامت بدور تعجز عنه مؤسسات اليوم، فليس هناك وجه للمقارنة بين هذه الصرخة والإعلام المعاصر. .............................. (1) بحار الأنوار: ج45، ص60. (2) السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام: ج4، ص4. (3) الأمالي: ج1، ص100.