رياض الزهراء العدد 185 نافذة على المجتمع
نَظْرَةٌ عَلى مَعهَدِ الكَفِيلِ لِلأَطفَالِ القَابِلِينَ لِلتَّعَلُّمِ
تتعالى ضحكات الأطفال وأصواتهم، يملؤها التفاؤل والمرح والتطلّع إلى مستقبل واعد، في كنف معهد تابع لقسم التربية والتعليم في العتبة العبّاسية المقدّسة، تمّ إنشاؤه ليسهم في إعادة الأمل إلى مَن هم بحاجة إلى رعاية خاصّة تختلف عن أقرانهم من الأطفال الأسوياء، ويعدّ الأول من نوعه على مستوى المحافظة، إذ يقدّم الخدمات الإنسانية لذوي الاحتياجات الخاصّة، من المصابين بالتخلّف العقلي البسيط، ويهدف إلى كسر الحاجز الانعزالي لهذه الشريحة، وتطويرها ومساعدتها على مواجهة متطلّبات الحياة؛ ليمكّنهم من الاندماج والمشاركة الفعّالة في المجتمع تحقيقًا لتكافؤ الفرص مع الآخرين. شملت رعاية العتبة العبّاسية المقدّسة جميع مفاصل الحياة، فلم تغفل عن رعاية أفراد المجتمع بشرائحهم وأعمارهم المختلفة، فنجد أياديها البيضاء ممتدّة لرعاية الطفولة، ثم الشيوخ، وغيرهم، فكلٌّ أولته نصيبًا من الاهتمام، وتقديم الخدمات. إنّ ذوي الاحتياجات الخاصّة، أو مَن يُطلق عليهم (ذوو التأخّر العقلي)، هم شريحة لم تحظَ بالاهتمام الكافي، وعانت من التهميش ما عانت، فجاء هذا المعهد ليحقّق أحلام الطفولة الموؤودة، ورغبة الآباء بطفل سويّ، يستطيع أن يعتمد على نفسه، ويندمج في المجتمع. في جولة لرياض الزهراء (عليها السلام) في أروقة المعهد حيث التقت بتلك الثلّة المباركة من العاملات على رعاية الأطفال، وشاهدت كيفية التعامل مع كلّ طفل بحسب حالته، كانت المحطّة الأولى مع السيّدة أسمهان إبراهيم/ مديرة المعهد، التي أوضحت لنا قائلةً: إنّ المعهد مؤسّسة خيرية غير ربحية، تقوم بتقديم البرامج والخدمات الإنسانية لذوي الاحتياجات الخاصّة من فئة (التأخّر العقلي البسيط)؛ لتمكّنهم من الاندماج والمشاركة الفعّالة في المجتمع، تحقيقًا لتكافؤ الفرص مع الآخرين. افتُتِح المعهد بتاريخ: (23/ 12/ 2009م)، وذلك بعد أن جاءت فكرة تأسيسه من قِبل المتولّي الشرعي للعتبة المطهّرة سماحة السيّد أحمد الصافيّ (دام عزّه)، واستحصال إجازة التأسيس من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية؛ ليكون مؤسّسةً تقوم بتقديم البرامج والخدمات الإنسانية للأطفال القابلين للتعلّم، وقد حقّقت الريادة في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصّة، وتأهيلهم وتدريبهم على المستوى المحلّي، فضلًا عن التميّز والتألّق في شمولية الخدمات المقدّمة من أجل النهوض بالمجتمع بشأن حقّ الحياة لذوي الاحتياجات الخاصّة، مثلما يقدّم خدماته كافّة بشكل مجّاني. وأضافت قائلةً: يستقبل المعهد الفئات العمرية ما بين (5 ـ 14) سنة بالنسبة إلى الذكور، وأمّا بالنسبة إلى الإناث فيُمكن أن يتعدّى سنّ الـ(14) عامًا، فلدينا إناث بعمر (20 ـ 21) عامًا، بخاصّة من لديهنّ قابلية التعلّم؛ ويتمّ استقبالهم بعد أن يخضعوا لاختبار مبدئي من قِبل الباحثات النفسيّات المتخصّصات في المعهد، ثمّ يخضعوا لاختبارات الـ(سايكومترية) العالمية. وَحدات المعهد: 1- وَحدة الاستشارة النفسيّة، وتشمل: أ- الاختبارات السايكومترية: يخضع الطفل لمجموعة من الاختبارات النفسيّة لبيان نسبة الذكاء لديه (IQ)، وللاختبارات الاجتماعية؛ لبيان مدى التكيّف الشخصي والاجتماعي؛ للوقوف على نقاط احتياج الطفل، وهي: اختبار (ستانفورد بينيه)، اختبار (فيلاند) للسلوك التكيّفي، اختبار (رسم الرجل)، اختبار (متاهات بورتيوس)، اختبار DAYC)). نشاطات الوَحدة: • متابعة سَير الخطّة التربوية. • وضع برامج تعديل السلوك للأطفال الذين يعانون من مشاكل سلوكية غير مرغوبة. • عقد الاجتماعات مع أولياء الأمور لتوعيتهم باحتياجات أبنائهم، وكيفية التعامل مع الطفل. • جعل الطالب قادرًا على بناء صداقات مع زملائه. ب- الخدمات الطبّية والعلاجية، وتشمل: • العلاج النفسي. • العلاج الفيزيائي. 2- وَحدة التدريب والتعليم، وتشمل: • المهارات اللغوية. • المهارات الحسابية. • المهارات الحياتية. • المهارات الاستقلالية. • المهارات الفنّية. • المهارات الحركية. • تدريبات النطق. نشاطات الوَحدة: • تدريب الطفل على القراءة، والتعبير عن نفسه بجُمَل قصيرة. • تدريبه على العدّ والحساب، ومعرفة الأشكال الهندسية، وكيفية التعامل مع النقود، والأحجام، والأوزان، والأطوال. • تدريبه على العناية الذاتية، ومهارات الحياة اليومية، والمهارات الاستقلالية، وتحمّل المسؤولية. • تدريبه على الرسم والتلوين، وبعض الأعمال اليدوية. • تقوية عضلات الطفل الكبيرة والصغيرة، وإقامة الأنشطة اللاصفّية. • إعداد برامج للتدريب على النطق. 3- وَحدة الإعلام: تشمل كافّة النشاطات التي تُقام في المعهد عن طريق التواصل مع شعبة الإعلام، والتواصل مع أهالي الطلاب، وإدارة صفحة المعهد، وإقامة الدورات والسفرات الترفيهية، وجميع نشاطات الملاك والطلاب. وفي حديث مع الستّ منال داخل/ المعاونة الفنّية، بيّنت لنا: تُصنّف هذه الشريحة بحسب رأي المتخصّصين على درجة ذكائهم، وقدراتهم العقليّة التي تتراوح ما بين (55-70) درجة بحسب مقاييس الذكاء، وهناك فروق فردية واضحة بينهم، ولا يمكن في الحقيقة أن نضعهم جميعهم في مستوى تعليمي واحد، إلّا أنّنا اعتمدنا مبدأً عالميًا، وقمنا بتصنيف الأطفال إلى ستّة مستويات تعليمية، فنستقبل الطالب، وبعد أن يتمّ التعرّف عليه وعلى ذويه، وما الأسباب التي دفعتهم إلى تسجيل طفلهم في المعهد، نتعرّف على التاريخ الصحّي للطفل، ونجري له اختبارات عديدة مع تحديد نقاط الاحتياج، وتُصاغ تلك النقاط على شكل وثيقة تضمن للطفل حقّه في التعلّم، وبذلك يكون لكلّ طالب وثيقة خاصّة به، تحتوي دراسة تحقيق الأهداف الموضوعة بحسب حاجته إلى التعلّم لمدّة خمس سنوات، وتُجرى الاختبارات لمدّة شهر كامل، وتسمّى بـ(مرحلة الملاحظة)، وتكون تارة جماعية، وأخرى انفرادية، وتُصنّف الحالة إلى: (أ- ب- ج- د)؛ ليتمّ دمج الحالات المشابهة، وتقديم الرعاية والتعليم الذي تحتاجه، مع متابعة المعلّمة المتخصّصة، واستحداث طرائق التعليم بحسب الاحتياج. وللحديث تتمّة مع الأستاذة سرى سعد عبد عليّ/ ماجستير علم النفس، حيث بيّنت: يسهم المعهد بتعزيز القدرات والمهارات الاجتماعية والتعليمية والمهنية للطلاب؛ ليساعدهم على الاندماج في المجتمع وأخذ دورهم فيه، حتى لا تكون الإعاقة حاجزًا يمنعهم من الاندماج، وكلّ ذلك يتمّ وفقًا لمنهج دراسي علمي يتّبعه المعهد، كفيل بتأهيل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة تأهيلًا سليمًا. إنّ المعهد يستقبل الأطفال الذين لديهم عَوَق بسيط (القابلون للتعلّم)، وهذا العَوَق إمّا ذهني، يتمثّل في مستوى الذكاء دون المتوسّط، وإمّا إصابة الطفل بـ(متلازمة داون)، أو لديه حالة نفسية صعبة جدًا كحالة الصمت الاختياري، أو الاكتئاب النفسي، فضلًا عن بعض الأطفال الذين لديهم صعوبات في النطق، إضافةً إلى الأطفال المصابين بحالة التوحّد غير الشديد. ويتمّ تشخيص الأمراض النفسية والسلوكية غير الطبيعية، وتتمّ معالجتها من قِبل الطبيب المتخصّص مع وصف العلاجات بأنواعها: الفيزيائي، والكيميائي، وبما يعتمده المعهد من خطط نوعيّة. وتسعى الملاكات التربويّة المعنيّة إلى تحقيق الإفادة الواضحة التي تنعكس بشكل واضح على سلوكيّات هذه الشريحة المحرومة، ومن ضمن أنشطة المعهد السنويّة إطلاق خطّة خُمسيّة لإكساب متعلّميه مهاراتٍ ومعارف متنوّعة، وتشتمل هذه الخطّة على محاور عديدة، كلّها تصبّ في تطوير المتعلّمين. ولا يتجاوز عدد تلاميذ الصفّ الواحد الـ(10) أطفال، ويتمّ تقسيمهم إلى مجموعتين؛ ليأخذ كلّ طفل استحقاقه من الرعاية، والخطط الاستراتيجية مستمرّة لتحقيق أفضل النتائج؛ ليكون ذلك الطفل فردًا أشبه ما يكون بأقرانه الأسوياء، وهناك بعض الأطفال الذين يُدمجون في المدارس الابتدائية الاعتيادية؛ ليكون الطفل بذلك فردًا فاعلًا في المجتمع. تسعى العتبة العبّاسية المقدّسة إلى تقديم الخدمات عن طريق منافذها المتخصّصة، ومن صروحها العلمية التربوية التي حقّقت نجاحات متواصلة قسم التربية والتعليم الذي يغذّي أساس أجيال الغد بهمّة وطموح وإيمان لتقديم الأفضل، خُطط نُفِّذت، وأخرى وُضِعت على طاولة النقاش والتباحث؛ للوصول إلى كلّ ما يسهم في خدمة المجتمع بكافّة شرائحه.