تُرى هَل يُحِبُّنَا؟
الكثير منّا يحرص على معرفة منزلته في قلوب أحبّته، لكن الأجدر بنا أن نهتمّ لمنزلتنا عند ربّنا، ونسأل أنفسنا: هل هو راضٍ عنّا؟ ترى هل يحبّنا؟ فهذا ما ينبغي أن يشغل اهتمامنا، فمنصبنا عند الآخرين يزول بزوالهم أو زوالنا، لكن درجاتنا عند ربّنا تبقى معنا حتى بعد رحيلنا، ولا ريب في أنّها تتناسب وجهادنا لأنفسنا، ومدى صبرنا وإخلاصنا، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "مَن أحبَّ أن يعلم كيف منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله عنده، فإنّ كلّ مَن خُيِّر له أمران: أمر الدنيا وأمر الآخرة، فاختار أمر الآخرة على الدنيا، فذلك الذي يحبّ الله، ومَن اختار أمر الدنيا، فذلك الذي لا منزلة لله عنده"(1). إنّ الحظوة بالحبّ الإلهي منزلة تتوق لها الأرواح، وبالتأكيد لها علامات تتجلّى في حياة المرء، وتبرهن على اقترابه من ساحة اللطف والفلاح، منها: 1- حبّ العبد للطاعات وبُعده عن المنكرات: فعن إمامنا الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إذا أحبَّ الله تعالى عبدًا، ألهمه الطاعة، وألزمه القناعة، وفقّهه في الدين، وقوّاه باليقين، فاكتفى بالكفاف، واكتسى بالعفاف، وإذا أبغض الله عبدًا، حبّب إليه المال، وبسط له الآمال، وألهمه دنياه، ووَكَله إلى هواه، فرَكَب العناد، وبَسَط الفساد، وظَلَم العباد"(2). 2- شغف العبد بالذكر وأنسه بالشكر: فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "يا ربّ، وددتُ أن أعلم مَن تحبّ من عبادكَ فأحبّه؟ فقال: إذا رأيتَ عبدي يكثر ذكري، فأنا أذنتُ له في ذلك، وأنا أحبّه..."(3). 3- حماية الفرد من فتن الدنيا وشهواتها، وصرف قلبه عن التعلّق بها: فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ الله عزّ وجلّ ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهديّة من الغيبة، ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض"(4). 4ـ التلطّف في الأرزاق: فعن رسول (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "إذا أحبّ الله عبدًا، جعل له واعظًا من نفسه، وزاجرًا من قلبه، يأمره وينهاه"(5)، وللمرء أن يتأمّل حاله، فإن لم تكن كذلك فليفزع إلى ربّه، وإن رآها، شكره وأرجع الفضل إليه، وحرص عليها بكثرة المراقبة، ودوام الإلحاح والطلب. ................................................ (1) ميزان الحكمة: ج ١، ص ٥٠٩. (2) المصدر السابق: ج ١، ص ٥٠٨. (3) بحار الأنوار: ج ٩٠، ص ١٦٠. (4) الكافي: ج2، ص 255. (5) جامع السعادات: ج ٣، ص ١٤٥.