رياض الزهراء العدد 82 مناهل ثقافية
الوِلَادَةُ الخَالِدَة
ببصرها رمقت السماء، وقد فاجأها المخاض فلاذت بالبيت الحرام.. ودَعت خالقها بحقّ سيّد الأنام.. فأنشق جدار البيت فدخلت بغير استئذان.. كيف انشق، كيف دخلت؟ ساعة تلو الساعة، وشيخ البطحاء خائف يترقب.. سويعات من الزمان تمرّ مرّ السحاب الثقال.. كان فيها يترنم بتراتيل التوحيد.. فهل أوجس في نفسه خيفة؟ وقُبيل أن ينبلج عمود الفجر حلّت بشارات السماء.. خرجت فاطمة حاملة وليدها كفلقة القمر.. أليث أم قسورة أم حيدرة؟ يا أيها المولود في كعبة العُبّاد قد زادتك مفخرة وزدتها شرفاً.. خرجت مذ خرجت وجدرانها تحكي آياتك عجبا.. كم جهدوا في إخفاء فضلك مدى الأزمان والحقب.. وقد علموا موضعك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آيات المباهلة والتطهير والقربى.. بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ربّيت في عبق النبوة، وغُذّيت من وحي الرسالة, وضعك في حجره وليداً.. يضمك إلى صدره، ويكنفك في فراشه.. ويمسّك جسده وشمك عرفه..ويمضغ الشيء ثم يلقمه إياك..ما وجد لك كذبة في قولٍ. ولا خطلة في فعل.. سلكت طريق المكارم ونشأت بمحاسن أخلاق العالم.. فمذ كان النبي (صلى الله عليه وآله) فطيماً.. قرن الله به مَلَكاً عظيماً في ليله ونهاره.. فكنت تتبعه.. يرفع لك في كلّ يوم علماً من أخلاقه.. ويأمرك بالاقتداء به.. حتى قلت: كنت أجاورْ في كلّ سنة بحرّاء.. فأراه ولا يراه غيري.. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنت ثالثهما..ترى نور الوحي والرسالة وتشم ريح النبوة.. ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي.. فسألت عن هذه الرنة؟ فقال (صلى الله عليه وآله).. هذا الشيطان قد أيس من عبادته.. تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا انك لست بنبي.. ولكنك وزير وإنك لعلى خير.. ................................... المصدر/ نهج البلاغة: ص88.