رياض الزهراء العدد 185 منكم وإليكم
الشَّعائِرُ الحُسَينِيَّةُ وزِيارَةُ الأَربَعِينَ: قُوَّةٌ رُوحِيَّةٌ تَغيِيرِيَّةٌ
يعدّ موضوع الشعائر الدينية بشكل عام، والشعائر الحسينية بخاصّة من المواضيع المهمّة، وذات صلة بالمضمون العقائدي، والفكري. والشعائر الدينية من أهمّ العوامل التي تساعد الإنسان على الفهم والاستقرار، فالقلق لا يأتي إلّا من الجهل والغموض، أمّا في حالة الوضوح والمعرفة، فإنّ القلق يزول وتحلّ السكينة محلّه، ويبدأ الإنسان مشوار الحياة بثقة. وإصلاح حال المسلمين هو ما أراده الإمام الحسين (عليه السلام) في ملحمته الخالدة ضدّ الظلم والطغيان، وفضح المُلك العضوض(1). إذن فالشعائر الحسينية هي إنماء للإيمان، وقوّة للإنسان وثباته، والدفاع عن الحقّ الذي يقوده إلى حياة أفضل، وذلك عن طريق الإصلاح الفعلي الذي يدفعه إلى الأمام نحو تطلّعاته المشروعة، ولابدّ من أن يتماهى هذا البرنامج الإصلاحي مع مَن كان قيامه قيامًا لله تعالى، وعلّم البشرية دروسًا مستمرّة حتى يومنا هذا. إنّ مدرسة آل البيت (عليهم السلام) قد وحّدت مجموعة من الشعائر، وهي خاصّة بإحياء أمرهم عمومًا، وفيما يتعلّق بالإمام الحسين (عليه السلام) بخاصّة، وذلك لأنّ فرادة الحدث الكربلائيّ، وفظاعته واستثنائيته، اقتضت إحياءً خاصًّا، استجابةً لطلب الأئمة (عليهم السلام)، ومصداق ذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام) لفُضيل: "تجلسون وتحدّثون؟" قال: نعم، جُعلتُ فداكَ، قال: "إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله مَن أحيا أمرنا،..."(2). الشعائر الحسينية تمثّل تعبيرًا صادقًا عن الولاء، والمحبّة، وتجديد العهد، والبراءة من الظالمين والمنحرفين، ولونًا من ألوان جذوة الشوق والعشق التي لا تخبو، ولا تنضب، ولا تبرد، فعن الإمام جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنّه قال: "نظر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وهو مقبل، فأجلسه في حجره وقال: إنّ لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدًا"(3). فللشعائر الحسينية قوّة روحية تغييرية ذات دور بالغ الأهمّية في عملية الجذب الروحي والتغييري، سنذكر أهمّها على سبيل المثال لا الحصر: (1) إنّها وسيلة عاشورائية للتعبير عن رفض الظلم والاستبداد. (2) وسيلة لإذكاء جذوة النهضة، والتذكير المستمرّ بواقعة الطفّ، بوصفها منبعًا أساسيًا للتاريخ الإسلامي. (3) التأكيد على أنّ كربلاء الحسين (عليه السلام) هي المحرّك الأساس لكلّ التاريخ، والأعمق لشدّ الجمهور بقوّة. وعلى مرّ التاريخ حتى يومنا هذا، أثبتت الشعائر الحسينية جدواها في نشر فضائل أهل البيت (عليهم السلام)، وظلامتهم، وتوحيد الناس تحت رايتهم؛ لتفخر الأمّهات بفقد أبنائهنَّ في سبيل الله، ويبدينَ استعدادهنَّ للسير على خطى السيّدة زينب (عليها السلام)، ليس بتقديم أبنائهنَّ شهداء فحسب، بل ليكنَّ إعلاميات لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وامتدادها. ........................................ (1) المنبع الموسّع: ص999. (2) بحار الأنوار: ج ٤٤، ص ٢٨٢. (3) مستدرك الوسائل: ج ١0، ص ٣١٨. (4) يُنظر نهضة عاشوراء: ص 111- 112.