رُوُحُها رُوُحُهُ

سرور عبد الكريم المحمّداويّ/ بغداد
عدد المشاهدات : 461

نهضت من منامها باكيةً والدمع لآلئ متناثرة على تراب الخربة، النَفَس منها مضطرب، فالشهيق والزفير يراعيان وجودها في دار الدنيا الحزينة، وقلبها أوشكت نبضاته تخفت، وبين لسان مُتعب وجسد صغير مضنيّ، اختلفت الكلمات، وأخرجت الأوتار الصوتية لغةً حزينةً بدايتها: أين أبي؟ أريد أبي! استفاقت ريحانة الحسين (عليه السلام) من نومها ولم تجد إلّا آثار السياط التي قد اسودّ جسدها منها، جعلت كلّ مَن في الخربة يتعالى صوته بالنحيب، وما بين سبايا عطاشى وثكالى، كانت مصيبتها. فلم يكن والدها كسائر البشر، كان منبع الحبّ، والدفء، والعطاء، والرحمة للكون كلّه، وكانت روحها مُعلّقةً بروحه، غفت وهي تأمل بأن تصحو على لمسات يده الحانية التي تداعب وجنتيها، وصوته الذي يشعرها بالأمان والسلام. لم تفتأ تنادي: أريد أبي! أريد أبي! لقد كان معي الآن، كان معي.. متى غابت روحه عنها؟ هو معها أينما ذهبت.. لقد رأته في منامها وتريده الساعة، فكأنّ نار الخيام قد أُضرِمت في قلبها مرّة أخرى، لكن هذه المرّة كانت نار الشوق إلى أبيها.. خاطبتها عمّتها زينب (عليها السلام) قائلةً: حبيبتي ما بكِ؟ قالت رقيّة: أريد أبي! فقالت عمّتها: حبيبة إنّ أباكِ في سفر، وغاب نور جماله عنّا. ضجّت رقيّة في بكائها المرير وهي تنادي: أبه، أبه،.... حتى وصل الخبر إلى الطاغية يزيد، ويا لقسوة قلبه المتحجّر! قال لجلاوزته: خُذوا إليها برأس أبيها لتستأنس به ! فجاءها النور موضوعًا في طشت مغطّىً بمنديل، فحسبته طعامًا، فقالت: لا أريد سوى والدي، ما لي والطعام! فقالت عمّتها: هاهنا ما تبتغين ! فكشفت رقيّة المنديل، وصرخت صرخة سُمِع دويّها في الملكوت، وعلى دهشة من أمرها، احتضنت الرأس المضرّج بالدماء، وفاضت روحها حُبًّا وعشقًا وهياما.. أجل، كانت شهيدة الحبّ الحسينيّ العظيم.. فالسلام عليها يوم وُلدت، ويوم استُشهدت، ويوم تُبعث مع حبيبها الحسين (عليه السلام).