رياض الزهراء العدد 185 عطر المجالس
القَناعَةُ أغلَى كَنزٍ
في صخب الحياة وتقلّباتها ومغرياتها قد يكون من الصعب أن نجد إنسانًا يشعر بالاستقرار والأمان، لكن من المؤكّد أنّ هناك أشخاصًا تشرّبت قلوبهم بالإيمان، وتجذّرت في أرواحهم محبّة الله، فهم في حصن حصين من عواتي المغريات، وفي مأمن من شعواء فتن الدنيا والضلال. أمّ عليّ: هنيئًا لأمّ باقر هذه الروح الطيّبة، والنفس الراضية بما قسمه الله. أمّ حسين: أجل، فلطالما جعلتُها قدوةً لي في القناعة، فهي تعيش عيشة أقلّ من الكفاف، وتحمل على عاتقها مسؤولية تربية أبنائها، ولم نسمع منها أيّة شكوى أو تذمّر. أمّ زهراء: أجل، ذلك صحيح، فهي حقًّا من أغنى الناس، مثلما ورد عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) أنّهما قالا: "مَن قنع بما رزقه الله، فهو من أغنى الناس"(1). أمّ جعفر: ففضلًا عن جزاء الله تعالى للراضين بما قسم لهم من الرزق، أنّه يقبل منهم القليل من العمل، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "مَن رَضِي من الله باليسير من المعاش، رَضِي الله منه باليسير من العمل"(2). أمّ جواد: تبارك ربّنا الكريم، فهذا نوع من المعونة للعبد تمنحه القوّة والثبات. أمّ زهراء: أمّا في يوم القيامة، فإنّ القانع الراضي هو الأقلّ غبنًا من غيره، وهذا ما نستشفّه من قول النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله): "ما أحد يوم القيامة، غنيّ ولا فقير إلّا يودّ أنّه لم يؤتَ منها إلّا القوت"(3). أمّ عليّ: إنّ القناعة والرضا تعطيان الإنسان طاقة إيجابية، وتعزّزان ثقته بنفسه. أمّ حسين: أجل، حتى أنّهما يضفيان جوًّا من التفاؤل والبِشر، فيحبّ الناس مجالسة القانع، ويأنسون بكلامه. أمّ زهراء: الواقع يثبت أنّ الثروة والرفاهية المادّية لم تكن مقياسًا للراحة والسعادة، فهناك الكثير من أصحاب الثروات الذين أدّت بهم الكآبة إلى الانتحار. أمّ جعفر: هذا صحيح، وهو ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: "يا بن آدم، إن كنتَ تريد من الدنيا ما يكفيكَ، فإنّ أيسر ما فيها يكفيكَ، وإن كنتَ تريد ما لا يكفيكَ، فإنّ كلّ ما فيها لا يكفيكَ"(4)، فهناك أشياء بسيطة جدًا تكون سببًا للشعور بالسعادة لا يملكها أغنى الأغنياء. أمّ جواد: الحقيقة إنّ القناعة نعمة عظيمة، فإنّ الأمان والطمأنينة من أهمّ أسباب السعادة. أمّ عليّ: هذه هي ثمرة الإيمان بالله تعالى، والثقة بقسمه وعدله. ـ الثلّة الطيّبة بصوت واحد: الحمد لله الكريم الرحيم. ........................................... (1) الكافي: ج2، ص١٤٦. (2) المصدر السابق: ج2، ص١٤٥. (3) بحار الأنوار: ج69، ص66. (4) الكافي: ج2، ص١٤٦.