رياض الزهراء العدد 185 الصحّة النفسية
العُنفُ ضِدَّ المَرأَةِ
خلق الله سبحانه وتعالى المرأة كائنًا مكرّمًا له قيمته بين الكائنات، وجعلها شريكةً للرجل، وعليها ما عليه في ضمن إطار المساواة، مع مراعاة الاختلافات الجسدية والتكوينية، فجعل بينهما مودّةً ورحمةً واحترامًا متبادلًا، يؤدّي إلى تقسيم المسؤوليات بينهما طوال استمرار العلاقة التي تربطهما بدون استخدام العنف الذي يُعرف بأنّه سلوك موجّه لإيذاء الغير عمدًا، أو هو إيقاع الأذى بالآخرين، والعنف انتهاك واضح وصريح لحقوق الإنسان، وهو لا يعرف ثقافةً، أو ديانةً، أو بلدًا، أو طبقةً اجتماعيةً محدّدةً، بل هو ظاهرة عامّة، ويشمل الضرب، والإيذاء والعنف الجسدي، والعنف اللفظي والنفسي، والعنف الاقتصادي، ويحدث لعدّة أسباب قد تجتمع، وتشابكها يؤدّي إلى إيذاء المرأة بشكل أكبر وأعنف، سواء من الناحية النفسية أو الجسدية. وترجع أسباب العنف ضدّ المرأة إلى دوافع اجتماعية ونفسية واقتصادية، ويسبّب آثارًا خطيرة لا تقتصر عليها فقط، بل تمتدّ لتشمل أسرتها والمجتمع، ومن أبرزها الآثار الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وأفضل طريقة لإنهاء العنف هي الوقاية منه، ومنع حدوثه، ويكون بتحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز علاقات الاحترام المتبادلة بينهما، وتمكين المرأة في المجتمع، وتعزيز زيادة مشاركتها في عمليات صنع القرار، وزيادة الوعي، وتثقيف المجتمع عن طريق وسائل الإعلام. وعلينا أن نتذكّر أنّ اليوم الأول من شهر صفر الأحزان هو يوم مناهضة العنف ضدّ المرأة، وهو يوم وصول سبايا آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) إلى الشام في عام 61هـ، وكان من أقسى أنواع العنف الذي مورس بحقّ المرأة، والاضطهاد الذي تعرّضت له بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ليكون هذا اليوم رمزًا وشعارًا لرفض الظلم والاعتداء الذي تتعرّض له نساء العالم، بخاصّة أنّ الدين الإسلامي يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الظلم والاضطهاد، وأنّه كرّم المرأة، وحفظ حقوقها، وأنّ إحياء هذا اليوم هو إحياء لمظلومية السيّدة زينب (عليها السلام)، حيث ارتكب الجناة مظلمة كبرى بحقّها وبحقّ أهل البيت (عليهم السلام)، يندى لها جبين الإنسانية، فبـدأ دور السيّدة زيـنب (عليها السلام)، وهو دور خطير تضمّن مهمّتين أساسيتين: أولهما تـحريك روح الثورة والتمرّد في نفوس المجتمع المسلم بالكوفة، حيث خاطبتهم قائلةً: "... وَيلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله فَرَيتُم؟! وأيّ كريمةٍ له أبرزتم؟! وأيّ دم له سفكتم ؟! وأيّ حرمةٍ له هتكتم؟!..."(1). أمّا المـهمّة الثانية، فهي تصحيح الخلل الفكري الذي كان يعيشه المسلمون آنذاك، حيث كانوا لا يميّزون بين الحاكم العادل والحاكم الظالم، فنرى السيّدة زينب (عليها السلام) تخاطب يزيد في مجلسه قائلةً: "...أَمِن العدل يا بن الطلقاء تخديركَ حرائركَ، وسوقكَ بنات رسول الله سبايا؟! قد هتكت ستورهنَّ..."(2). وأخيرًا، علينا أن نتذكّر أنّ الموروث القَبَلي الزائف الذي تسلّح به يزيد وهو القسوة على المرأة، لمن الجاهلية الأولى، فالإسلام وضع خطوطه العريضة في تكريم المرأة، فعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "...ما أَكرَمَ النساءَ إلّا كَريمٌ ولا أَهانهنَّ إلّا لَئيمٌ"(3). ............................... (1) الملهوف على قتلى الطفوف: ص ١٩٢ ـ ١٩٣. (2) بحار الأنوار: ج ٤٥، ص 158. (3) نهج الفصاحة: ص٤٧٢، ح ١٥٢۰.