رياض الزهراء العدد 82 منكم وإليكم
قُربَانُ الرَّسُولِ (صلى الله عليه
إبراهيم آخر أولاد الرسول (صلى الله عليه وآله) من زوجته مارية القبطية، وكان (صلى الله عليه وآله) شديد التعلق به، فقد رُوي أنه لمّا وُلد له إبراهيم من مارية القبطية أتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال: "السلام عليك يا أبا إبراهيم".(1) عن ابن عباس قال: كنتُ عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي، وهو تارة يقبّل هذا، وتارة يقبّل هذا، إذ هبط جبرائيل بوحيّ من ربّ العالمين، فلما سَري عنه قال: "أتاني جبرائيل من ربّي فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: لست أجمعهما فافدِ أحدهما بصاحبه"، فنظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى إبراهيم فبكى، ونظر إلى الحسين فبكى، وقال: "إن إبراهيم أمّه أمة، ومتى مات لم يحزن عليه غيري، وأمّ الحسين فاطمة، وأبوه علي ابن عمّي لحمي ودمي، ومتى مات حزنت ابنتي، وحزن ابن عمّي، وحزنت أنا عليه، وأنا أؤثر حزني على حزنهما، يا جبرائيل يقبض إبراهيم فديته للحسين"، قال: فقبض بعد ثلاث، فكان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا رأى الحسين مقبلاً قبّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه وقال: "فديتُ من فديته بابني إبراهيم".(2) وكانت وفاته في الثامن عشر من شهر جمادى الآخرة وقد حزن المسلمون لحزن الرسول (صلى الله عليه وآله)، فعن الإمام علي (عليه السلام) أنّه قال: "لما مات إبراهيم ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فغسّلته وكفّنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحنّطه، وقال لي: احمله يا علي، فحملته حتّى جئت به إلى البقيع، فصلّى عليه ثمّ أدناه من القبر، ثمّ قال لي: يا علي انزل، فنزلت ودلّاه عليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلمّا رآه منصبّاً بكى (صلى الله عليه وآله) فبكى المسلمون لبكاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى ارتفعت أصوات الرجال على أصوات النساء، فنهاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشدّ النهي وقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يُسخط الرب، وإنّا بك لمصابون وإنّا عليك لمحزونون يا إبراهيم، ثمّ سوّى قبره ووضع يده عند رأسه وغمزها حتّى بلغت الكوع، وقال: بسم الله ختمتك من الشيطان أن يدخلك".(3) وقد بقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حزيناً على ولده حتى وافته المنية، فقد روي أن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت عند النبي (صلى الله عليه وآله) وهو في مرضه الذي توفي به فقالت: "وا كرباه لكربك يا أبتاه" فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، إن النبي لا يشق عليه الجيب، ولا يخمش عليه الوجه، ولا يدعى عليه بالويل ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم: تدمع العينان وقد يوجع القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون,...".(4) .............................. (1) كشف الغمة: ج1، ص12. (2) بحار الأنوار: ج22، ص153. (3) مسند الإمام علي (عليه السلام): مجلد4، ص182. (4) علي (عليه السلام) من المهد إلى اللحد:ج14، ص9 .و بحار الأنوار:ج65, ص54.