فَضِيلَةٌ بِنَصِّ كِتابِ اللّهِ ((عزّ وجلّ)
إذا كان الإمام عليّ (عليه السلام) يعلم الغيب، فهو على يقين من سلامته عند مبيته في فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فأيّ فضيلةٍ له في ذلك؟ شبهةٌ يثيرها بعض الحاقدين عليه (عليه السلام)، هادفين انتزاع فضيلة من فضائله، ناسين أنَّه (عليه السلام) منبع الفضائل ومعدنها. ويمكن ردّ هذه الشبهة بعدّة أجوبةٍ، لكن قبل ذلك يجدر بنا أن نؤكّد على أنّ علم الإمام (عليه السلام) بالغيب ليس على نحو الاستقلال البتّة، بل هو تعلُّم من الرسول (صلى الله عليه وآله)، أو عندما يشاء تعلّمه من الله تعالى إلهامًا، والأجوبة كالآتي: الأول: إنّ العلم بالسلامة وانعدام الخطر لا يلازم الشجاعة، وهو أمر معروف بالوجدان والتجربة، ألا ترى أنّ الإنسان يخاف من المبيت مع الميّت منفردًا على الرغم من يقينه التامّ بعجز الميّت المطلق عن القيام بأيّ عمل! وما ذلك إلّا لأنّ منبعيْ العلم والشجاعة مختلفان عند الإنسان. الثاني: لا ينحصر مصدر الخوف عند الإنسان على عدم الأمن من القتل، بل هناك احتمال التعرّض للجرح والتشويه والإعاقة، وقد نقل لنا التاريخ تعرّضه (عليه السلام) لجراحات عديدة إثر رضخه بالحجارة من قبل مشركي قريش. الثالث: ورد عن الشيخ المفيد رحمه الله قوله: (فأمّا القول بأنّه [الإمام] يعلم كلّ ما يكون، فلسنا نطلقه ولا نصوّب قائله....»(1). وعليه فليس من المؤكّد أن يكون الإمام عليّ (عليه السلام) عالمًا بسلامته حين مبيته في فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله). الرابع: فإنْ فرضنا علمه (عليه السلام) بسلامته ليلتئذٍ، إلّا أنّه يبقى محتملًا أن يكون علمه من لوح المحو والإثبات، ومن ثمّ يكون محكومًا بالبداء، وقد وردَ عن الشيخ كاشف الغطاء قوله: (ولاشكّ أنّهم (سلام الله عليهم) كانوا يعلمون بكُلّ ذلك [الحوادث الغيبية] بإخبار النبيّ (صلى الله عليه وآله) وحيًا، ولكن يحتملون فيه أن يتطرّق إليه البداء، ويكون من لوح المحو والإثبات، وأن يكون ثابتًا خلافه في العلم المخزون المكنون الذي استأثر اللهُ سبحانه به لنفسه، فلم يُظهر عليه مَلَكًا مقرّبًا، ولا نبيًّا مُرسلًا)(2). الخامس: قال الله تعالى: ﴿...مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ...﴾ (البقرة: 207)، أي أنّ بيع الإمامِ نفسَه بمبيته في فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله) مقابل مرضاة الله تعالى قد وقع فعلًا، ومن ثمّ فإنّه (عليه السلام) إمّا أنّه لم يكن عالمًا بسلامته من رأس، أو لم يشأ أن يعلم بذلك، أو كان عالمًا بها علمًا من لوح المحو والإثبات المحكوم بالبداء، أو محتملًا ذلك. وعليه، ففضيلةٌ ينزلُ بها قرآن يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، يُعجز أن يُخدش بها العلم بخلافها مهما اجتهد الحاقدون، فضلًا عن الاحتمال والشبهة. ............................. (1) المسائل العكبرية: ج1، ص70. (2) جنّة المأوى: ج1، ص126.