رياض الزهراء العدد 186 أنوار قرآنية
" نِعمَ الوَلَدُ البَناتُ..."(1)
ما تزال هناك آثار من تلك الجاهلية الغابرة، تندسّ عميقًا في خبايا النفوس، تلازم بعضهم، وتسيطر على أفعالهم، وتوجّهاتهم، ورؤاهم، حاملين أفكارًا باطلة بعيدة عن الإنسانية، خارجة عن إطار الفطرة، لا تلتقي مع روح الإسلام وغايته التي كرّمت بني آدم على السواء، مثلما ورد في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...﴾ (الإسراء:70)، فبعد قرون من المعاناة التي عاشتها المرأة، فكانت فيها مسلوبة الرأي، مهانة، تُعامل بازدراء وفوقية، فباتت تحلم بأن تستظلّ تحت فيء نظام أو شريعة تحميها من الظلم والاضطهاد، وترفع عنها الحيف والجور، حتى أشرق نور الإسلام على دنيا الوجود، وأُفرِدت آيات كريمة لبيان حقوقها ومكانتها، ووحدة جوهرها مع أخيها الرجل، وذكر حالها في المجتمع الجاهليّ، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ۞ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ (النحل: 58 - 59). وقد فنّد الإسلام هذه النظرة الدونية، وأنكر أن تُعامل الأنثى باحتقار، إذ جعل من بيت النبوّة أسوة حسنة للإنسانية عامّة وللمسلمين خاصّة، وقدّم مثلًا عظيمًا في إكرام المرأة والإحسان إليها، وتقدير عطائها، وهذا ما نجده جليًّا في تعامل النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) مع السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بكلّ عطف ورفق وتواضع، حتى كنّاها بأمّ أبيها إجلالًا وإعظامًا، وهذه صورة ملكوتية لن نجد مثيلًا لها في تأريخ البشرية جمعاء، فضلًا عن ذلك، فقد فاح شذا أنفاسه الطاهرة بالأحاديث المستفيضة على ضرورة العناية الخاصّة بالبنات؛ لأنّ الفتاة ذات مشاعر حسّاسة، وطبع رقيق، منها قوله (صلى الله عليه وآله): «ما من بيت فيه البنات إلّا نزلت كلّ يوم عليه اثنتا عشرة بركة ورحمة من السماء، ولا ينقطع زيارة الملائكة من ذلك البيت، يكتبون لأبيهم كلّ يوم وليلة عبادة سنة»(2). واليوم بعد مرور المئات من السنين، لا نزال نلمس ذلك الفكر الجاهليّ، ونرى آثاره في بعض العوائل، وكيف أنّهم يفضّلون الصبيّ على الفتاة ويقدّمونه عليها. إنّ احترام البنت وإظهار الودّ والحبّ لها، يترك أثرًا طيّبًا في نفسها، ويعزّز ثقتها بقدراتها، ويمنعها من الانجراف وراء المغريات، وبذلك تغدو إنسانًا واعيًا، تنجح في حياتها المستقبلية، وتتمكّن من بناء أسرة مستقرّة تنعم بالهدوء، وتؤدّي دورها الرياديّ في الحياة بنجاح، لتكون خليفة الله في أرضه. .................................. (1) بحار الأنوار: ج ١٠١، ص٩١. (2) مستدرك الوسائل: ج ١٥، ص١١٦.