رياض الزهراء العدد 186 ركائز الإيمان
أَكْيَسُ الكَيِّسِينَ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ
إنّ الأحاديث والروايات الشريفة أكّدت على محاسبة النفس، وجعلتها من أولويات الأعمال التي ينبغي أن يقوم بها الإنسان طوال يومه. ومثلما أنّها مهمّة في الأمور الإدارية، وتُعدّ صمام الأمان في الحفاظ على المال والتجارة، فهي أيضًا صمام الأمان الذي يحفظ دين الإنسان وآخرته، فالمحاسب نفسه رابح، والرابح مآله الجنّة، بينما عدم المحاسبة توقع الإنسان في خسارة، والخاسر مآله النار. والعاقل الكيّس مثلما يذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنّه الذي لا يغفل عن هذا الأمر، فعنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «...أكيسُ الكيّسِينَ مَنْ حاسَب نفسهُ، وعَمِلَ لِما بَعدَ المَوتِ...»(1)، وإن لم يبادر العبد المسيء بعد محاسبة نفسه إلى التوبة، والعمل الصالح، وتدارك ما فاته من عمل سيّئ بآخر حسن، فإنّه ناقص في عقله وسفيه. وقد بيّنت الروايات الشريفة أمورًا لها الأولوية في المحاسبة، على الإنسان أن يلاحظها، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد سُئِل عن كيفيّة محاسبة النفس، فقال: «إذا أصبح ثُمَّ أمسى رجع إلى نفسه وقال: يا نفسُ! إنّ هذا يومٌ مضى عليكِ لا يعود إليكِ أبدًا، واللهُ سائلُكِ عنه فيما أفنيتِه، فما الذي عملتِ فيه؟ أذكرتِ الله أم حمدتِه؟ أقضيتِ حقّ أخٍ مؤمنٍ؟ أنفَّستِ عنه كربته؟ أحفظتِه بظهر الغيب في أهله وولده؟ أحفظتِه بعد الموت في مخلَّفيه؟ أكففتِ عن غِيبة أخ مؤمن بفضل جاهكِ؟ أأعنتِ مسلمًا؟ ما الذي صنعتِ فيه؟ فيذكر ما كان منه، فإن ذكر أنَّه جرى منه خيرٌ حَمِدَ الله عزّ وجلّ وكبّره على توفيقه، وإن ذكر معصية أو تقصيرًا، استغفر الله عزّ وجلّ، وعزم على ترك معاودته»(2). فالرواية تبيّن عدّة أمور، منها: أولًا: علاقة الإنسان بربّه وبما فرض الله عليه من فرائض، فإن أدّى ما عليه من حقوق وواجبات من صلاة وصيام وغيرها، حمد الله على توفيقه. ثانيًا: علاقة المؤمن بأخيه المؤمن، وهي من الأمور المهمّة التي حثّت عليها الروايات لما لها من دور في توطيد أواصر الأخوّة بين المؤمنين، وحفظ الحقوق، فالمؤمن له حقوق، وعليه واجبات يجب عليه أداؤها، من تنفيس كربة أخيه المؤمن، وحفظه بظهر الغيب في أهله وولده، والكفّ عن غِيبته، وإعانته، وحفظه بعد موته، فإن وُفِّق إلى ذلك حمد الله، وإن قصّر استغفر الله، وعزم على عدم العود. ......................................... (1) ميزان الحكمة: ج3، ص 79. (2) المصدر السابق: ج1، ص ٦٢٠.