رياض الزهراء العدد 186 تمكين المرأة
كُونِي مُتَّزِنَةً
عزيزتي الأنثى، من أجل أن تكوني ناجحة في إدارة أعمالكِ المنزلية والمهنية، وفي الوقت نفسه قادرة على تحقيق ذاتكِ وطموحاتكِ، فما عليكِ إلّا أن تكوني متّزنة، ومتوازنة، وحريصة على إيجاد التوازن وتحقيقه في جميع مفاصل الحياة الاجتماعية والأسرية بدون إفراط أو تفريط، وهو أساس التفوّق، والسبيل إلى الظفر، وقد تجول في خاطركِ هذه التساؤلات: ما التوازن؟ كيف أعمل على تحقيقه وإيجاده على أرض الواقع؟ التوازن هو الاعتدال في تقييم الأشياء، وتوزيعها بتناسق تامّ بعدم ترجيح كفّة على أخرى، ومصاديقه كثيرة ومتنوّعة بتنوّع حياة الفرد، كالتوازن بين الصمت والثرثرة، والصراحة والمجاملة، والأخذ والعطاء، والوقار والطيش، والجود والتبذير، والشجاعة والتهوّر، وغير ذلك. ومن أهمّ الأمور التي يتوجّب على الفرد العاقل أن يعمل على تفعيلها، هو إيجاد التوازن بين الحياة الدنيا والآخرة، أي بين الأعمال العبادية التي تضمن السعادة في الدار الآخرة، وبين الأعمال الدنيوية التي تصبّ في طاعة الله تعالى، وقد يظنّ بعضهم أنّ تحقيق التوازن بين العمل الأخروي والدنيوي يحقّق النجاة في الآخرة فقط دون الدنيا، لكن في الحقيقة إنّ الذي يسعى إلى تحقيق التوازن بين الدارين فسيحقّق السعادة والهناء في الدنيا قبل الآخرة؛ لأنّ صلاح الأولى يضمن صلاح الثانية، ولابدّ من العمل لكليهما، وهو ما أوصانا به نبيّنا (صلى الله عليه وآله) حيث قال: «اعمل لدنياكَ كأنّكَ تعيش أبدًا، واعمل لآخرتكَ كأنّكَ تموت غدًا»(1). نرى في هذا الحديث الشريف أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يوصي الفرد بالسعي والعمل في الحياة الدنيا، والكدّ من أجل تحسين الحياة كأنّه خالد فيها إلى الأبد، لكن بشرط وقيد، وهو السعي في طلبها بما يرضي الله سبحانه وتعالى، ولا يستوجب غضبه وسخطه، وفي المقابل يوصيه بالعمل من أجل الآخرة والسعي في تحصيل الأجر والثواب كأنّه سيموت قريبًا، ويا للأسف يجهل بعضهم كيفية تحقيق هذا التوازن, فيبالغ في حبّ الدنيا، ويبذل الجهد والمجهود من أجل رجحان كفّتها ظنًّا منه بأنّها الغاية التي خُلِق من أجلها، ولا يدرك حقيقة الوجود وعلّة الخلق، وأنّ الله أمرنا في كتابه الكريم: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ (القصص: 77). إذن مَن تودّ أن تصل إلى ما تصبو إليه، فما عليها سوى أن تقسّم وقتها بين العمل من أجل الدنيا وبين العمل من أجل الآخرة، حتى تكون ذات شأن ومقام سامٍ في الدارين، وخير قدوة لنا هي مولاتنا الزهراء (عليها السلام) التي قضت حياتها كلّها في رضا الله تعالى، ولم تنفكّ عن نصرة نبيّ الله (صلى الله عليه وآله) ووصيّه(عليه السلام)، وكيف أنّ حياتها كانت مقسّمة بين الأعمال المنزلية، فبيد تطحن بالرحى، وبيد أخرى تهزّ مهد طفلها ولسانها يلهج بذكر الله تعالى، وبين خروجها من الدار وهي تطرق أبواب المهاجرين والأنصار لتذّكرهم ببيعة الغدير، فلم تشغلها العبادة عن أداء واجباتها المنزلية، ولم يشغلها أولادها عن تحقيق رسالتها الإلهية. لذا حريّ بنا أن نسير على خطاها، وأن نعمل جاهدين على تحقيق التوازن في مفاصل حياتنا كافّة؛ لننعم بالأمن والأمان في الدنيا والآخرة، ونحقّق ما نطمح إليه ممّا يحقّق ذواتنا بما يرضي الله تعالى. ........................... (1) ميزان الحكمة: ج1، ص35.