رياض الزهراء العدد 82 منكم وإليكم
سَجَايا الشَّبَاب
قال تعالى في محكم كتابه المجيد: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)/ (القصص:23). عرض القرآن الكريم مجموعة من القصص للعبرة والاتّعاظ، وهذه الآية الكريمة التي بين أيدينا تبيّن وبشكل واضح معالم الحياء الطاهرة، وشهامة الرجولة إلى جانب العلاقة الطيبة التي تكون بين المؤمنين من رجالٍ ونساء. ولو تأملنا في الكلمات القرآنية النورانية التي حدّدت التعامل ما بين الجنسين، وفق الضرورة الملحّة مختصرة بكلمات مقتضبة وبيّنة واضحة في هذه الآية الكريمة: (لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ). وهذا إن دلّ فإنه يدلّ على ورع بنات نبيّ الله شعيب (عليه السلام) وتقواهنّ وحسن تصـرفهنّ الفطري السليم. أمّا ما يخصّ النبي موسى (عليه السلام) في هذا الموقف قال تعالى: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)/ (القصص:24). وهذا يدلّ أيضاً على الميزات التي يجب أن يتحلى بها الشاب المؤمن من الأدب والصدق مع النفس، والإخلاص لله، ومراقبته في السر والعلن، فعندما يصدق فيها الإنسان، فسرعان ما تظهر على جوارحه وسلوكه وتصرفاته، لذا تجد سيّدنا نبيّ الله موسى (عليه السلام) لما انصرف إلى الظل لم تحدّثه نفسه أن يعاود النظر إلى الفتاتين مرة أخرى ليبادلهما النظرات مثلاً، أو ليختلس نظرة أو نظرتين. ولم يؤنّب نفسه على عدم استغلال الفرصة في محاولة الإيقاع بهنّ. وإنما جلس مع نفسه ليتوجه إلى الله في ذلّ وخضوع بقوله: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ليؤكد أنه يريد وجه الله في جميع حركاته وسكناته بصدق وإخلاص، ثم بقية الحدث تحكيه هذه الآية الشريفة: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا..)/ (القصص:25) فليتأمل القارئ الكريم في هذه الصورة الجميلة التي وردت في هذه الآية حيث وصفت الحالة التي كانت عليها بنت نبي الله شعيب (عليه السلام) حين جاءت تنقل دعوة أبيها إليه وهي حالة أو صفة الحياء إضافة إلى الاحترام الذي أبدته لسيدنا موسى (عليه السلام) بعد ما رأت منه الأمانة والشجاعة المملوءتين بالتقوى والإيمان، وهذا ما يفترض أن تقتدي به كلّ فتاة طاهرة عفيفة. وهو ما يكشف عن التربية الإيمانية لنبينا شعيب (عليه السلام)، في زرع الثقة في قلوب بناته، مما جعلهنّ يصارحنَ أباهنّ في ما حصل لهنّ ذلك اليوم، ولتستفيدا من أبيهما لما ملكه من خبرة على مدى سنوات، ناهيك عن أنه نبيّ من أنبياء الله تعالى، وختام المسك: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)/ (القصص:26). إن هذه الآية الكريمة تبيّن مدى محبة الفتاة لوالدها فعندما رأت ما رأته في النبي موسى (عليه السلام) من قوةً ومثابرة في أداء العمل الطوعي الذي قام به من سقي أغنامهما، وصدق في الحديث وأمانة وورع، حبذّت أن يستأجره أبوها للعمل في شعابهم ورعي أغنامهم، ولو أمعنا النظر جيداً في هذه الآية الكريمة، نجد أنّ هناك رغبة شديدة لبنات النبي (عليه السلام) إلى عدم الخروج من البيت ومزاحمة الرجال لولا الواقع الذي يحتّم عليهنّ الخروج، وهو إعانة والدهنّ في أعمال هي من خصوصيات الرجال؛ لأنهم قد خُلقوا للعمل والجهاد، وهذا مما لا تقدر عليه الفتاة كونها غير مهيّأة جسمياً ونفسياً للأعمال الشاقة، وقد جعل الله أعمالاً أسمى وأعظم للمرأة والفتاة بوجهٍ خاص. ................................. المصادر: الميزان في تفسير القرآن: ج16، ص25. المنهج الحركي في قصَّة سيدنا موسى (عليه السلام): ج1، ص122.