رياض الزهراء العدد 186 طفلك مرآتك
تَرصِينُ القِيَمِ: سُلوكُ الآباءِ وتَأثُّرُ الأَبنَاءِ
كثيرًا ما يتطلّع الآباء إلى رؤية ثمار أفئدتهم الأبناء وهم يكبرون مشبعين بالقيم السامية والأخلاق الحميدة، ويسرّهم أن يجدوا فيهم الشخص الأمثل في السلوك والخُلق. لا يملك الأبوان الوصول إلى نتائج حتمية في بناء شخصية أبنائهم، إلّا أنّ في أيديهم أسبابًا تؤدّي إلى النتائج الحَسنة، فمن أهمّ العوامل المؤثّرة في تنشئة الأولاد على مبادئ الفضيلة، هو سلوك الوالدين في الحفاظ على القِيم وترصينها، فالتربية بالعادة والمحاكاة للقيم أنجع وسائل التغذية التربوية، فلكي نضمن أنّها تقرّبهم إلى المأمول منهم، فلابدّ من أن يُلاحظ توافرها على أمرين: 1ـ ترسيخ القيم عبر السلوك: فالسلوك المتكرّر الذي يظهر الارتباط بتعاليم الدين، والانضباط بالخُلق الحميد يكون داعيًا إلى الانتساب إلى الدين، وتحقيق الهويّة الإيمانية، ومُهذِّبًا للسلوك، فمَن يرى في أبويه مثالًا صادقًا لبرّ الوالدين، وحفظ الأمانة، والمبادرة إلى الطاعة، ودماثة الخُلق، عاش ذلك في مكامن نفسه، وتسلّل إلى سلوكه، فقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «أحبّوا الصبيان وارحموهم، فإذا وعدتموهم ففوا لهم، فإنّهم لا يرون إلّا أنّكم ترزقونهم»(2)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم...»(1)، فما أشدّها من نظرة، وكيف يتأثّر الأبناء بسلوك مَن يرونهم مصدرًا لرزقهم، فلو لم يحافظ الأبوان على قيمة الوفاء بالوعد لتلاشت تلك القيمة في نفوس الأبناء، ولاندكّت الثقة، وساغ الكذب. 2ـ عدم تمييع القيم أو توهينها عمليًا: ويقع بأشكال وصور متعدّدة، فالاستخفاف بالدين والحدود الشرعية، والتجرّي على الذوق العامّ بذريعة الانفتاح، وعدم التحفّظ من المحرّمات والموبقات يؤدّي بالأولاد إلى التشبّع بالصفات السلبية، فحياطة الأولاد عن الانزلاق في سقيم الخُلق لا يكفي فيه الصدّ اللفظي إذا كذّبه سلوك الوالدين بما يخالفه، بل إنّ الهالة التي تغطّي الوالدين، والصورة المثالية عنهما في نفس الأبناء، تريهم أنّ ما يفعله الوالدان هو الصواب، وأنّهما بعيدان كلّ البُعد عن الخطأ، لاسيّما مع شدّة القرب والمحبّة، لذا فمَن ينشأ في ظلّ أبوين يستحلّان الحرام، أو يتوغّر في صدرهما الحقد والكراهية للناس، أو يتلفّظان بألفاظ سيّئة، فلا ينشأ على النفور من تلك التصرّفات أو استقباحها؛ لأنّ تكرار السلوك أدّى إلى تمييع حرمتها، وتخفيف استهجانها، فباتت عنده أمرًا طبيعيًا لا نكير له. وأخيرًا، إنّ إشراك الأولاد في الفعّاليات العامّة التي تسهم في قوّة الخُلق الفاضل وسلامة التوجّهات، مع إبعادهم عمّا تُبتذل فيه القيم ويُحرّف فيه السلوك في مفاصل الحياة المختلفة يعزّز من تأثير سلوك الوالدين، ويجعله دليلًا صالحًا لحياة أفضل. .................................... (1) بحار الأنوار: ج101، ص92. (2) المصدر السابق: ج68، ص270.