رياض الزهراء العدد 186 عطر المجالس
﴿تِجَارَةً لَنْ تَبُوْر﴾(1)
هذه الأجواء التي يتضوّع منها عطر قدسي، يأخذ النفس أخذًا جميلًا رقيقًا إلى رحاب الله، إنّها ذكرى المولد النبويّ الشريف، إنّه العشق الأسمى، ذلك النور الأبهى الذي ملأ الدنيا حبًّا وعطاءً، دينًا قِيمًا وصفاءً، منه كانت البداية وإليه المنتهى. دخلت أمّ باقر، المرأة الوقور ضيفًا على جلسات الثلّة الطيّبة، وبعد إلقاء التحيّة، بادرت بالقول: - منذ طفولتي وأنا أعشق ذلك الوجود المقدّس، رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله)، خلقه العظيم، عطاءه، رأفته ورحمته، جهاده. - الثلّة الطيّبة بأصوات رقيقة كأنّها تنتظر تتمّة معيّنة: صلّى الله عليه وعلى آله الأطهار. - أمّ باقر: لكنّي أقولها بأسف بأنّي قد تأخّرتُ في معرفة مَن كان حول هذا النبيّ الكريم، أولئك الذين آمنوا به وبرسالته، وعرفوا شخصه الكريم، فأعطوا أغلى ما لديهم. - أمّ حسين: أن ندرك الأشياء متأخّرين هي نعمة من الله تعالى، وهو أفضل من فواتها. - أمّ باقر: ومن هؤلاء، السيّدة خديجة (عليها السلام)، تلك المرأة الطاهرة الكريمة التي لها المنزلة العظيمة في قلب النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ومن رحابها المباركة انطلقت فكرتي للعمل في سبيل الله، فلعلّي أكون ممّن صدق عليهم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الصفّ:10). - أمّ زهراء: كانت السيّدة خديجة (عليها السلام) خير مثال يُحتذى به في العفاف، ورجاحة العقل، وقوّة الإرادة، وإدارة الأمور. - أمّ جعفر: وهي المرأة التي صبرت وتحمّلت شظف العيش وهي الثرية المترفة، لتكون سندًا ومصدر قوّة لحامل الرسالة (صلى الله عليه وآله). - أمّ جواد: وهي الأمّ الحانية، والحجر الطاهر لسيّدة نساء العالمين (عليها السلام). - أمّ عليّ: ولنتأمّل الحديث الوارد بشأن منزلتها، وعظيم قدرها عند الله تعالى: «أتى جبريل النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال هذه خديجة أتتكَ معها أناء مغطّىً فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتكَ فأقرأ عليها السلام من ربّها، ومنّي السلام، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب(2)، لا صخب فيه ولا نصب»(3). - أمّ باقر: ما أحوجني إلى المتاجرة مع الله، ولأنكنَّ ثلّة مثلما عرفتها تعين على عمل البرّ؛ لذا رغبتُ في أن أكون معكنَّ، إذا سمحتنَّ بذلك طبعًا. - أمّ عليّ: أنتِ على الرحب والسعة. - أمّ جعفر: مصاديق التجارة مع الله كثيرة، منها ما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، حيث قال: «مَن نفّس عن مؤمن كربةً نفّس الله عنه كرب الآخرة، وخرج من قبره ثلج الفؤاد، ومَن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنّة، ومَن سقاه شربةً سقاه الله من الرحيق المختوم»(4). - أمّ باقر: والله إنّها تجارة رابحة. - أمّ حسين: وكذلك ورد عنه (عليه السلام) أنّه قال: «أوحى الله إلى داود (عليه السلام): إنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنّتي، قال: فقال داود (عليه السلام): يا ربّ وما تلك الحَسَنة؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سرورًا ولو بتمرة، قال: فقال داود (عليه السلام): حقّ لمَن عرفكَ أن لا يقطع رجاءه منكَ»(5). - أمّ جواد: وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «ما عمل امرؤ عملًا بعد إقامة الفرائض خيرًا من إصلاح بين الناس، يقول خيرًا ويتمنّى خيرًا»(6). - أمّ عليّ: وببركات صاحب الذكرى الميمونة، المبعوث رحمةً للعالمين، ونفحات ابنته الزهراء (سلام الله عليها) القدسية، سنعدّ برنامجًا للعمل التجاري المضمون الربح. - أمّ باقر: إنّي أرى أول بوادر الربح وهي أخوّتنا في الله، واجتماعنا طلبًا لرضاه جلّ وعلا. بكلمات الحمد لله تعالى أنهت الثلّة الطيّبة جلستها لإكمال بقيّة الواجبات.