رياض الزهراء العدد 186 تاج الأصحاء
كَآبَةُ ما بَعدَ الوِلادَةِ
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَوَصَّينَا الإنسانَ بِوَلِدَيهِ حَمَلَتهُ أُمُّهُ وَهنًا عَلَى وَهنٍ وَفِصَلُهُ فِي عَامَينِ﴾ (لقمان: 14)، إنّ الولادة تُعدّ تجربةً مبهجةً، لكن عادةً ما يستمرّ الجهد البدني والنفسي اللذان يرافقان الولادة في الأيام الأولى منها، إذ قد يكون هناك تغيّر في الحالة المزاجيّة، والذي يُعرف باسم (اكتئاب ما بعد الولادة). هو اضطراب مزاجيّ مرتبط بولادة الطفل، يظهر لدى بعض النساء ما بين اليوم الرابع واليوم العاشر من الولادة، ومن علاماته التقلّبات المزاجيّة الحادّة، والإفراط في البكاء، وصعوبة التعلّق بالمولود، والابتعاد عن العائلة والأصدقاء، وفقدان الشهيّة إلى الطعام، أو تناول المزيد منه بشكل يفوق المعتاد، والأرق أو النوم لمدّة طويلة، وقلّة الاهتمام، ونقص الاستمتاع بالأنشطة التي كانت تبعث على المتعة، وانخفاض القدرة على التفكير بوضوح، ونوبات من القلق أو الهلع الشديدة، والتفكير بإيذاء النفس، أو إيذاء المولود، وغير ذلك. لا يوجد سبب محدّد لاكتئاب ما بعد الولادة، فمن المحتمل أن يكون نتيجة التغييرات البدنية بعدها، فقد يسهم الانخفاض الكبير لهرموني (الإستروجين) و(البروجيسترون)، أو نقص بعض الهرمونات التي تفرزها الغدّة الدرقيّة في ظهوره، ممّا يجعل المرأة تشعر بالتعب، والكسل، والاكتئاب، أو قد يكون بسبب مشكلات نفسية، كقلّة ساعات النوم، وذلك بسبب رعاية الطفل والرضاعة ومشكلاتها، وطبيعة مزاج الطفل، ومعاناته من المغص، أو ولادة التوائم، أو حدوث حمل غير متوقّع، أو صعوبة الوضع المعيشي، أو قلق المرأة بشأن صحّتها ومظهرها، أو مشكلات تتعلّق بالعمل، أو صعوبة الحصول على إجازة مناسبة، أو محاولة الموازنة بين متطلّبات العمل والأمومة. هناك بعض المبادئ التي تساعد على تقوية الذات لمواجهة هذه الحالة، منها ما تكون قبل الولادة عن طريق التقليل من النشاطات في أثناء مرحلة الحمل، وعدم الإجهاد في أثناء العمل، وتناول وجبات منتظمة، ورفع القدمين في أثناء الاستراحة، وإقامة علاقات صداقة مع عوائل ينتظرون ولادة طفل حديث، والبحث عن أشخاص إيجابيّين للتحدّث معهم، أمّا ما بعد ولادة الطفل، فيجب الحصول على أكبر قسط من الراحة، وعلى الزوج والمحيطين مساعدة الأمّ في رعاية الطفل في أثناء استراحتها، فضلًا عن حصولها على التغذية المناسبة الغنيّة بالفيتامينات والمعادن، وتناول العصائر الطبيعية والحليب، ومحاولة تمضية أوقات ممتعة مع الزوج والأهل، والخروج للتنزّه، ومحاولة التخلّص من المشاعر السلبية، والقيام بممارسة التمارين الرياضية، واحتضان الطفل؛ لتعزيز الشعور بالأمومة. وتختلف مدّة العلاج والشفاء من امرأة إلى أخرى اعتمادًا على سبب الاكتئاب وشدّته، فقد يتلاشى عادةً من تلقاء نفسه في مدّة تتراوح بين بضعة أيام إلى أسبوعين، وإذا استمرّ فإنّ الطبيب المتخصّص هو الذي يحدّد نوع العلاج، وغالبًا ما يكون العلاج نفسيًّا، ويسمّى العلاج بالتحدّث، أو باستخدام الدواء، أو كليهما، فالعلاج النفسيّ يكون عبر التحدّث عن المخاوف مع الطبيب النفسيّ؛ للعثور على أفضل الطرق للتعامل مع المشاعر، وحلّ المشكلات الخاصّة، ووضع أهداف واقعيّة، والاستجابة للوضع الحالي بطريقة إيجابية، وقد يوصي الطبيب بتناول بعض الأدوية كمضادّات الاكتئاب. وخير علاج للكآبة قوله تعالى: ﴿وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدرُكَ بِمَا يَقُولُونَ۞ فَسَبِّحْ بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ۞ وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (الحجر: 97-99)، فعلى المرأة أن تكرّر هذه الآيات الكريمة لما فيها من الشفاء لما في الصدور.