البَرمَجَةُ اللُّغَوِيَّةُ العَصَبِيَّةُ وَأَهَمُّ فَرضِيَّاتِها
تُعدّ البرمجة اللغوية العصبية منهجًا ثوريًا للتواصل الإنساني والتطوير الذاتي، ويعرّفها بعضهم بأنّها (فنّ التفوّق الشخصيّ وعلومه)، أو (دراسة الخبرات الشخصيّة)(1). وهي تقدّم أساليب عملية تمكّن الشخص من تغيير طريقة تفكيره ونظرته لأحداث الماضي ومبادئه في الحياة، أي تجعل الشخص قادرًا على السيطرة على عقله وحياته، وسنفكّك مصطلح (البرمجة اللغوية العصبية)؛ لنأخذ فكرة بسيطة عنه. البرمجة تعني: الانتظام في العمليات العقلية، والتحكّم بالخرائط الذهنية: الذاكرة الذكاء - المشاعرـ ردّات الفعل. العصبية تعني: آليّات عمل الدماغ، وتفاعل الجملة العصبية مع المتغيّرات. اللغوية تعني: المعنى التقني للغة: الجسد الصوت الكلمة - المكان. ومن الضروري أن نتعرّف على أهمّ مصادرها، وهي: الوراثة، البيئة الاجتماعية، البيئة المكانية، الدين، المدرسة (نُظُم التعليم)، التجارب والظروف الشخصيّة، الإعلام. حيث تعمل هذه العوامل على تشكيل قوام الإنسان الفكريّ، وتبرمج عقله بحسب ما تضخّ فيه من أسس ومعتقدات ومفاهيم، لذا علينا التعمّق أكثر في فرضيّاتها التي هي عبارة عن مجموعة من التقنيّات التي تُستخدم لمعالجة مواقف الحياة المختلفة، وتقوم بمهمّة فتح آفاق العقل وتوسيع النظرة. وأهمّ فرضيّاتها: الخارطة ليست هي الواقع، أي أنّ صورة العالم في ذهن الإنسان هي ليست العالم الحقيقي، فخارطة العالم في أذهاننا تتشكّل من المعلومات التي تصل إليها عن طريق الحواسّ عبر اللغة التي نسمعها ونقرأها، والقيم والمعتقدات التي تستقرّ في نفوسنا، ومن البديهي أن تتضمّن تلك المعلومات الغلط والصواب، وأنّ بعض المعتقدات التي نؤمن بها تكبّلنا، وتعطّل طاقاتنا، وتحبس قدراتنا. واللافت للنظر أنّ تلك الخارطة التي تختلف من إنسان إلى آخر هي التي تحدّد سلوكنا، وتفكيرنا، ومشاعرنا، وإنجازاتنا، لكنّها لا تمثّل العالم، فإذا حصل تغيّر في الخارطة الذهنية للإنسان، فإنّ العالم يكون قد تغيّر، واستنادًا إلى هذا المبدأ فإنّ بوسع الإنسان أن يغيّر العالم عن طريق تغيير الخارطة، أي تغيير ما في ذهنه. هذه الفرضيّة من أهمّ الفرضيّات التي تسبّب رؤيتنا للعالم عن طريق منظارنا الشخصي، وهي السبب في الكثير من مواجهاتنا في الحياة، فنحن نتوقّع دائمًا بأنّنا نمتلك الخريطة الصحيحة لكافة الأمور، ونريد من الآخرين أن تكون خرائطهم كخرائطنا، وإليكم هذا المثال: قام رجل بشراء تذكرة للسفر على متن سفينة، وقد وجد ركّابها عند كلّ وجبة طعام يأكلون في المطعم الموجود فيها، أمّا عنه فكان يفضّل أن يأكل بعض الطعام البسيط الذي أحضره معه توفيرًا للمال. وظلّ على هذه الحال حتى جاء اليوم الأخير، عندها فكّر في أن يجرّب الأكل في مطعم السفينة، فطلب أرخص طبق لديهم، وكان صحن الحساء، فطلب من النادل الحساء فقط، حينها استغرب النادل وقال له: هل تريد شيئًا آخر يا سيّدي؟ فقال له: لا، صحن حساء فقط. وبعد الانتهاء أراد أن يدفع ثمن الطبق، فأخرج النقود وعدّها، فقال له النادل باستغراب: ـ سيّدي، إنّ التذكرة التي اشتريتَها للسفر على متن هذه السفينة تشمل مبلغ جميع الوجبات حتى الوصول، ولا داعي لدفع أيّ نقود! شاهد القصّة: نحن بصفتنا بشرًا لا يمكننا أبدًا معرفة الحقيقة، يمكننا فقط أن نعرف تصوّراتنا عن الحقيقة، ونواجه ونردّ على العالم من حولنا أوليًا عبر أنظمتنا التمثيلية الحسّية (خرائطنا اللغوية العصبية) للحقيقة التي تحدّد كيف نتصرّف. وللبرمجة اللغوية العصبية الكثير من الفرضيّات، منها فرضيّة: (ليس هناك فشل، وإنّما خبرات وتجارب)، وفرضيّة (لكلّ إنسان مستويان من الاتصال: واعٍ وغير واعٍ)، وفرضيّة (احترام الآخرين وتقبّلهم)، وغيرها، وكلّها تصبّ في تطوير قدرة الإنسان، واتّخاذ أصلح التقنيّات والطرق للسيطرة على عقله وحياته؛ ليحظى في الأخير بالفرص المميّزة، وتحقيق هدفه المنشود في خلافة الأرض، وهذا هو المبتغى والمراد. ....................................... (1) البرمجة اللغوية العصبية في 21 يومًا، هاري ألدر، وبيريل هيذر: ص22.