التَّقلِيدُ الفِقهِيُّ.. سُلوكٌ عُقلائِيٌّ وَاعٍ

ولاء قاسم العبادي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 167

مغالطة: التقليد الفقهي اتّباع لثقافة العموم، والمقلّدون هم سالكون سلوك العموم فيه، فاحذر أن تكون منهم! مغالطة يطرحها أعداء الدين، بخاصّة بعدما لمسوا الدور الفاعل للمرجعية الدينية في صون المقدّسات، ووأد الفتن، وحفظ الأرض والعرض، والروح والمال، فحقدوا عليها، وكان شرر حقدهم هذه المغالطة وأمثالها. ويمكن تفنيدها بما يأتي: أولًا: عدم انطباق وصف سلوك العموم على سلوك المقلّدين؛ أجل كِلا السلوكين يشتركانِ في الانقياد، بيد أنّ الاختلاف بينهما بيّن واضح لكلّ ذي بصيرة؛ إذ إنّ سلوك القطيع سلوك قائم على المحاكاة بحدّ ذاتها، بتأثير العقل الجمعي ليس إلّا، من دون أيّ مُرجِّح عقلائي يتقوّم بقيد مُنتفٍ في سلوك المقلّدين، وهو قيد الافتقار إلى الدليل عليه، والمُبرّر له. في حين التقليد الفقهي مُبتنٍ على دليلين: عقلي ونقلي، فأمّا العقلي فإنّ رجوع غير المتخصّص إلى المتخصّص في مجال ما، أي رجوع الجاهل في أيّ مسألة علمية إلى العالمِ بها هو حكم يأمر به العقل السليم، والمنطق القويم، وهو ما يُعرف بـ(سيرة العقلاء)، ومنه رجوع المريض إلى الطبيب، وأمثلته فوق حدّ الإحصاء، من هنا كان المؤمن الحريص على دينه وآخرته يبحث عن الأعلم ليقلّده في أحكام دينه؛ ليكون أكثر اطمئنانًا في براءة ذمّته منها. وأمّا الشرعي فهناك العديد منه، من قبيل قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) (التوبة:١٢٢)؛ وذلك لأنّ الامتثال لجميع الأحكام التي يُبتلى بها المؤمن في حياته واجب من جهة، ومتوقّف على العلم بها من جهة أخرى، وتفرّغ جميع المسلمين للتفقّه في الدين يوجب تعطيل حياتهم جميعًا، من هنا أوجب الله تعالى ذلك على بعضهم، فإذا تفقّهوا علّموا سواهم أحكام دينهم. ثانيًا: تنمّ هذه المغالطة عن نظرة سطحية للدين، والاستخفاف بشأنه، كأنّ الوصول إلى الحكم الشرعي أمر سهل يسير فقط لكونه باللغة العربية! في حين يثبت القرآن الكريم عكس ذلك؛ إذ يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَاب والحكمة...) (الجمعة: ٢)، فقد كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعلّم المسلمين القرآن، وقد نزل باللغة العربية الفصحى المبينة، والمسلمون آنذاك كانوا أكثر إتقانًا للغة العربية، فكيف بمُسلمي اليوم وبينهم وبين لغة القرآن بون شاسع؟! ثم هل أنّ مجرد مطالعة كتاب ما يعني إتقان ما يتضمّنه من نكات دقيقة؟! فها هي كتب الطبّ، فهل تمكِّن مطالعتها القارئ من تشخيص المرض، ووصف العلاج الناجع له؟!