رياض الزهراء العدد 189 شمس خلف السحاب
فُرصَةُ التَّوبَةِ فِي زَمَنِ الغَيْبَةِ
إنّ هذه الغَيبة تركت شوقًا حبيسًا بين حنايا الروح، وهذا الشوق لن يزول أبدًا إلّا بالظهور، وإنّ العين لتدمع عندما يُذكر اسم الإمام الغائب (عجّل الله فرجه)، وهذه بلا شكّ حال المؤمن المحبّ لمحمّد وآل محمّد (صلوات الله عليهم)، إلّا أنّ بعضنا ربّما يكون غافلًا عن بعض المعاصي التي يرتكبها، إمّا عن قصد أو بغير قصد، وبهذا فقد خصّ الله (عزّ وجلّ) عباده بالتوبة، لاسيّما ونحن نعيش في حقبة الغَيبة الكبرى التي من المفترض أن يعرف كلّ شخص دوره فيها، فإنّنا في بعض الأحيان نتصرّف وكأنّ الإمام غير موجود، وعندما يشتدّ علينا الظلام، ويثقل الحزن صدورنا، لا نلتجئ إلى الله، ولا نتصرّف انطلاقًا من وجود الإمام (عجّل الله فرجه) بيننا، وتعدّ هذه الغفلة من ثغرات الذنوب، فمن واجب المؤمن استشعاره وجود الإمام الحنون، الذي من بركة وجوده نتنعّم بخيرات الأرض وبركاتها، فـ(بِيُمْنِهِ رُزِقَ اَلْوَرَى، وَبِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ اَلْأَرْضُ وَ اَلسَّمَاءُ)(1)، إذ يمارس العديد من الناس أعمالهم اليومية الروتينية من دون أن يخطر ببالهم ذكر الإمام صاحب الأمر (عجّل الله فرجه الشريف) ولو بدعوة طيّبة بسيطة، ولا شكّ في تأثير هذا التقصير المعنوي على سلامة القلب وصفاء الذهن، إلّا أنّ هذا لا يمنع من الإنابة والعودة إلى الله تعالى، التي يمكن تلخيصها بعدد من النقاط، أهمّها ما يأتي: * البناء الروحي للفرد المتمثّل بالتقرّب إلى الله (عزّ وجلّ)، سوف ينتج شخصية قوية، لا تنحني لهوى النفس، وهذه صفة ملازمة للشخص المنتظِر. * التحلّي بالصبر، وترويض النفس عليه وسط هذه الحياة المليئة بالمتاعب التي تحتاج شخصًا قويًا صلبًا يصل إلى مرحلة المصابرة، أي ينصح غيره بالصبر. * من صفات المؤمن المنتظِر لإمامه مجابهة هذا العصر المليء بالمغريات، لاسيّما بعد التطوّرات الكبيرة الحاصلة في العالم، وظهور الـ(سوشيال ميديا)، وغيرها من المغريات التي قد ينزلق فيها المؤمن ولا يلتفت إليها، أو يتغافل عنها, إذ يرى المنتظِر نفسه يسير في عالم آخر لا يتطابق مع عالم الإغراء والمغريات، فهنيئًا لمَن وجد نفسه صابرًا محتسبًا على الرغم من كلّ الحبائل الشيطانية. * ورد عن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله"(2)، فهذه الرواية تلامس شغاف القلب، وتلخّص كلّ الحديث عن الانتظار، وما على الشخص المؤمن سوى انتظار الفرج من الله تعالى, جعلنا الله من المنتظِرين الواعين. ............. (1) مفاتيح الجنان: ص129. (2) ميزان الحكمة: ج1، ص ١٨٢.