سِباقُ التَّتابُعِ

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 210

قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (الانشقاق:6). كلّ منّا يسعى في هذه الحياة الدنيا بحسب طاقته واحتياجاته، وبحسب ما يحرّكه ويحفّزه من رغبات، وما يراه مسوّغًا وباعثًا على المضي قدمًا، وربّما نتخيّل ذلك المضمار المترامي الأطراف، ذا الألوان الهادئة الجميلة، وتلك الأصوات والهتافات التي تتعالى من الحشود المتجمهرة التي ملأت أرجاء المكان، وصدحت الحناجر لتشجّع هذا الطرف أو ذاك، وفي تلك الأثناء نشاهد المتسابقين في ما يُسمّى بسباق (التتابع)، حيث يهرول فيه أفراد الفريق، ويبذلون قصارى جهدهم لإيصال (العصا) إلى المتسابق الآخر. يستوقفنا هذا المشهد، حيث التهافت وتحمّل أنواع التعب والأذى لبلوغ الهدف، وتسبح الأفكار في بحر لُجّيّ لا قرار له، لنرى ذلك المضمار كأنّه دائرة الحياة، ذات المراحل المتلاحقة والمتتابعة، فالكلّ يهرول مسرعًا، ولا يكاد يلتقط أنفاسه بالشكل الصحيح؛ كي لا يفوته شيء من حوله، فيقعد ملومًا محسورًا، يندب حظّه على ما انساب من بين أصابعه في متاهات الحياة، وتجده يتلفّت يمينًا ويسارًا ليتمنّى ما فضّل الله به بعض خلقه، فيرفع يديه إلى السماء يدعو بزوال تلك النعمة من صاحبها؛ ليتمكّن من الاستيلاء على أنواع الخيرات والتفرّد بها. ولنرَ ذلك المضمار من جانب آخر، وهو الجانب العائلي للأسرة الممتدّة، فكلّ رجل وامرأة اجتمعا تحت ظلّ رباط الزواج المقدّس، كانت لهما أهداف سامية يودّان إيصالها إلى الأبناء، ويسعيان في سباق التتابع؛ ليقدّما لهم القيم والمبادئ والعقائد الحقّة، وينظرا إليهم بعين المحبّة والعطف، وكلّهم ثقة بأن يطبّق الأبناء ما تلقّوه منهما، ومن ثمّ يقوموا بدورهم بإيصاله إلى الجيل القادم، وفي أثناء مدّة الجري في مضمار الحياة يسعى الأبوان إلى إبعاد كلّ خطر، ووضع السور المنيع لحماية فلذّات أكبادهما من هبوب أيّ ريح عاتية تؤذيهم. ولكي يصل الفريق الفائز إلى نهاية السباق بسلام وأمان، يجب أن تكون مجريات الأمور تسير وَفقًا لخطّة مدروسة، مبنيّة على أسس متينة، ونستلهم ذلك من قول الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: "العاملُ على غير بصيرة كالسائر على غير طريق، لا يزيده سرعة السير إلّا بُعدًا"(1)، فعلى الرغم من كلّ الجهد المبذول في السعي، إلّا أنّ السائر سيبتعد أكثر ويقع في التهلكة، ومن ثمّ يجب أن تكون الخطوات والأهداف واضحة المعالم ليتمّ تسليم (العصا)، ونستطيع أن نعبّر عنها بالأمانة الشرعية لكلّ أفراد الفريق الذي يشكّل المجتمع ككلّ. .................................... (1) بحار الأنوار: ج ٧٥، ص ٢٤٤.