رياض الزهراء العدد 189 ركائز الإيمان
الظَّنُّ.. حَسَنُهُ وسَيِّئُهُ
التقت الصديقات في منزل رقيّة، تجمعهنَّ جلسة ودّية، فتنوّعت الأحاديث. خديجة: ما رأيكنَّ في أن نستفيد من هذا اللقاء ونتناول بعض المواضيع الأخلاقية والاجتماعية؟ رقيّة: ماذا تقترحين؟ خديجة: أقترح أن نتحدّث عن سوء الظنّ، فهو (يُعدّ من أشنع الرذائل الأخلاقية التي تؤدّي إلى الفرقة بين العوائل، وتمزّق المجاميع البشرية والإنسانية)(1)، فما رأيكنَّ؟ رقيّة: برأيي إنّه موضوع مهمّ، فتفضّلي على بركة الله. كوثر: سأبدأ بسؤال: ما الآثار السلبية المترتّبة على سوء الظنّ في المجتمع؟ خديجة: قبل أن نتحدّث عن آثاره السلبية، علينا أن نتعرّف على معناه، وعلى معنى حسن الظنّ أيضًا. زينب: تفضّلي ببيان معناهما. خديجة: (عندما ترد هاتان المفردتان ويُراد بهما سوء الظنّ أو حسنه بالنسبة إلى الناس، فإنّ لهما مفهومًا واضحًا، فالمفهوم من سوء الظنّ هو أنّه كلّما صدر من شخص فعل معيّن، يحتمل الوجهين: الصحيح والسقيم، فنحمله على المحمل السقيم، ونفسّره بالتفسير السيّئ)(2)، فمثلًا عندما يرى ذو الظنّ السيّئ رجلًا مع امرأة، فمباشرة ينتقل ظنّه إلى الأمر المنكر، في حين أنّ صاحب الظنّ الحَسَن يقول إنّ هذه المرأة هي إمّا زوجته وإمّا أحد محارمه. رقيّة: سأذكر لكم حادثة تؤيّد ما قالته خديجة، فقد رُوي أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان يكلّم زوجته صفيّة بنت حيّي بن أخطب، فمرّ به رجل من الأنصار، فدعاه رسول الله وقال: "يا فلان! هذه زوجتي صفيّة"، فقال: يا رسول الله! أفنظنّ بكَ إلّا خيرًا؟ قال: "إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخشيتُ أن يدخل عليكَ"(3). زينب: إذن يمكن أن نستنتج ممّا تفضّلتِ به أنّ دائرة حُسن الظنّ وسوء الظنّ واسعة جدًّا، ولا تنحصر في مصاديق معيّنة. خديجة: أجل، هي كذلك. كوثر: ماذا عن حُسن الظنّ باللّه (عزّ وجلّ) وسوء الظنّ به ـ العياذ بالله ـ؟ خديجة: (حُسن الظنّ باللّه هو أن يثق الإنسان بالوعد الإلهي في مورد الرزق، أو العناية بالعبد، أو نصرة المؤمنين والمجاهدين، أو الوعد بالمغفرة والتوبة على المذنبين، وأمثال ذلك، ومعنى سوء الظن باللّه تعالى هو أنّ الإنسان عندما يجد نفسه في زحمة المشكلات والمصاعب فإنّه يعيش الاهتزاز وعدم الثقة بالوعد الإلهي، وعندما يقع في بعض الابتلاءات العسيرة، وفي المسائل المالية، وغيرها فإنّه ينسى وعد اللّه تعالى للصابرين)(4). يتبع... ................................... (1) الأخلاق في القرآن: ج3، ص284. (2) المصدر نفسه: ص295. (3) جامع السعادات: ج1، ص253. (4) الأخلاق في القرآن: ج3، ص295.