المُحتَوى الاِفتِراضِيُّ وَدَورُ الآباءِ فِي تَقلِيلِ الأَضرارِ وَمُضَاعَفَةِ الفَوائِدِ

إخلاص داوود/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 180

في عصرنا الحديث أصبحت أهمّية اختيار المحتوى الجيّد في الفضاء الرقمي للأعمار المبكرة من قِبل الآباء تشابه أهمّية اختيار الكتب والقصص في الأجيال السابقة، بل تضاعفت أهمّيتها نظرًا للوقت الذي يقضونه على أجهزتهم والمحيط الافتراضي الشاسع، وما يقدّمه من مزيج غنيّ بالسلبيات والإيجابيات، وسهولة التنقّل، والكمّية الهائلة للمحتوى المختلف والمتنوّع المتاح التي تنطلق بضغط زرّ، ممّا يؤدّي إلى فتح نافذة التفكير في مواضيع لم تكن في حسبان الأولاد، وهي بمجملها تشوّش تفكيرهم، وتجعلهم يتخيّلون، ويحلّلون هذه المشاهد بحسب عقولهم ونفسياتهم. ووفقًا لمنظمة الـ(يونسيف) في تقريرها السنوي الرئيس الذي صدر عام (2017م) أنّ ثلث مستخدمي الإنترنت في جميع أنحاء العالم هم الأطفال، ونسبة قليلة منهم يتمّ حمايتهم من مخاطر العالم الرقمي للوصول إلى محتوىً آمن، سواء على شكل صور، أو فيديوهات، أو نصوص. الحماية بالطرق النفسية: إنّ المتابعة المستمرّة من قِبل الأهل لاختيار المحتوى الذي يشاهده الأبناء في الأعمار المبكرة أصبح أحد أساليب التربية والتنشئة لقوّة تأثيرها في العقل، والطباع، والتصرّفات، والأفكار، والمعتقدات، وأصبح من الضروري على الآباء وعلى الأمّهات بشكل خاصّ لتواجدها لمدّة أطول في البيت، ولقربها النفسي والجسدي من الأبناء، وأن تتعلّم كيف توصل رسالة مفادّها أن ليس كلّ ما يراه الأبناء هو الحقيقة، أو حتى نصف الحقيقة، وهو يعتمد بالمقام الأول على وعي الآباء في تحليل المحتوى بسرعة وسهولة، وتحديد خطورته في مختلف وسائل الإعلام والمنصّات الرقمية. ثمّ التأكيد على أن ليس كلّ شيء مباح للمشاهدة، فهناك محتويات يجب عدم مشاهدتها، والدور الذي يؤدّيه العمر مهمّ في الاختيار، كذلك يجب أن يفصلوا ويقسّموا الموادّ والمواضيع التي يراها أبناؤهم، فهناك المحرّم وغير الأخلاقي، وهناك المعلومات الكاذبة والزائفة، وهناك المرعب والمخيف، وعلى الأهل تقديم التوجيهات الكافية لأطفالهم عمّا ينبغي مشاهدته أو تجنّبه، لتكون قواعد ومبادئ توجيهية يلزم الأطفال باتباعها. وعلى الأهل استثمار أبنائهم في هذا العمر، إذ يقلّدهم الأطفال ويردّدون كلمات وسلوكيات هي جزء من تعاملهم اليومي، بل يصدّقون ما يقولونه لهم، فحين يقوم الآباء بتحذيرهم، وتبيان مساوئ أيّ فعل أو سلوك، فسيتوقّع الأطفال حدوث ذلك، ممّا يدفعهم إلى الابتعاد والحذر، وهذا يرتكز على التعامل وإعطاء النصح برفق ولين ولطف، وكلام مقنع بحسب أعمارهم، ومحاولة تحميلهم مسؤولية أفعالهم واختياراتهم. في حالة العناد وعدم الطاعة، على الأهل إعادة النظر في تعاملهم الإرشادي، وسلوكهم التربوي، والابتعاد عن العنف اللفظي والجسدي حتى لا يكون ابتعاد الأولاد خوفًا من الحكم عليهم ومعاقبتهم، وإنّما من باب الاستيعاب والدراية بإقناعهم بالضرر الناجم عن المحتويات السيّئة، وعدم الاستسلام أو التساهل، والاستماع الجيّد، وخلق جوّ لطيف حين الخوض في هذا الموضوع، والردّ على كافة أسئلتهم واعتراضاتهم مهما كانت مملّة وبسيطة، والانتظار حتى يكملوا جميع استفساراتهم. التفكير بالردّ اللطيف المقنع بحسب شخصية الطفل ومطالبته بالاستماع، أي تبادل الأدوار في الاستماع، وبهذا سيستمعون إلى الأهل بارتياح، ويفهمون الصواب والحقيقة بدون عناد وتذمّر، وذلك سيزيد من تقديرهم لذاتهم، ويشعرهم بأنّ كلامهم ذو أهمّية لدى الأهل، ويسهل عملية الوصول إلى اتفاق مقنع من طرفهم، ويتّضح ذلك في التزامهم الذي يعني رفع احترامهم لكلمتهم ووعودهم لآبائهم.