رياض الزهراء العدد 187 طفلك مرآتك
أَثَرُ العُنفِ الأُسَرِيِّ فِي الطِّفلِ
لا يقتصر العنف الأسري على الزوجة، بل قد تمتدّ آثاره إلى الطفل الذي يشاهد الإساءة، ويُطلق على هؤلاء الأطفال بالضحيّة المنسيّة، فعندما يلاحظ الأطفال الوالدين يحلّون خلافاتهم عن طريق العنف، فإنّهم يتعلّمون حلّ صراعاتهم الشخصية ومواجهة ضغوطاتهم بالأسلوب نفسه، فالعنف استجابة مكتسبة يتّخذها الطفل استراتيجية لحلّ المشكلات، والأطفال الذين يعيشون في بيئة تتّسم بالعنف لا يعرفون كيفية التعبير عن أنفسهم وآرائهم في مواقف الشدّة والغضب، ولا يتعلّمون الاستراتيجيات المعرفية الفعّالة، وليس غريبًا أن نجدهم غير جاهزين لمواجهة الضغوط التي تواجههم، بل يتأثّرون سلبيًا في نواحي التوافق السلوكي والصحّة الوجدانية، فضلًا عن وجود أدلّة تؤكّد على وجود ارتباط وثيق بين مشاهدة العنف الأسري وضرب الأمّهات، وبين ممارسة السلوك العدواني عند الأبناء. إنّ الطفل في سنوات عمره الأولى يكتسب الأنماط السلوكية عبر إثابة استجاباته المرغوبة، ومعاقبة الاستجابات غير المرغوبة، وتميل الاستجابات التي تمّ تدعيمها إلى أن تُقوّى وتتكرّر، ومن ثمّ يتمّ تعميمها على المواقف المشابهة، أمّا الاستجابات التي يُعاقب عليها، فإنّها تميل إلى أن تضعف وتختفي، من ثمّ يقلّ حدوثها، على سبيل المثال: إثابة الصبيّ على السلوك العدواني، وعقاب الفتاة على السلوك نفسه يجعله أكثر عدوانية منها، ويُدعم هذا السلوك العدواني لدى الأطفال الذكور برؤية أمّهاتهم وهنَّ يتعرّضنَ للإهانة والضرب من قِبل آبائهم، ممّا يؤدّي إلى وجود فجوة في نفوس الأطفال الذكور الذين يستسهلون ممارسة العنف منذ طفولتهم ضدّ الصغيرات المتواجدات في حياتهم الاجتماعية، وكلّما تقدّم العمر بأولئك الأطفال تبقى مسألة العنف كامنة في ذواتهم، ولها قابليّة الانفجار ضدّ المرأة ما دامت هي الحلقة الأضعف أمام الرجل، ومن ثمّ فإنّ الأفعال العنيفة الأبوية لمحاولة التأديب تقوم بدور أساسي في تشكيل الخبرات التي يمرّ بها الطفل، بخاصّة العلاقات الأسرية العنيفة، فهي تشكّل شخصية الفرد عند البلوغ، لذلك فأنّ سلوك العنف قد ينتقل عبر الأجيال، فالأطفال الذين ينتمون إلى أُسر عنيفة هم أكثر قابلية إلى أن يكونوا عدوانيّين في تصرّفاتهم، وهناك تأثيرات معرفية، وانفعالية، وسلوكية تظهر في الطفل الذي يشاهد الإساءة، إذ تظهر عند بعض الأطفال اضطرابات سلوكية داخلية، مثل الاضطرابات الجسمانية، وزيادة الأرق، واضطراب النوم، والقلق، والاكتئاب، والشعور بالذنب، وفقدان تقدير الذات، وترتبط هذه الأعراض بإدراك الطفل للعجز في وجه العنف. والظروف التي تساعد على السلوك العدواني هي تدنّي الشعور بالأمن نتيجةَ الحرمان والإحباط، وغياب العدالة بين الإخوة، وغياب السلطة الضابطة واضطرابها، وكذلك ضعف الوازع الديني، وسوء التربية، والفقر، والشعور بالحرمان المادّي والعاطفي.