السِّرُّ المَكنُونُ
سلامًا أيّها الضلع المقدّس! لقد نصبتَ مأتمًا حين احتويتَ قلبًا يشعّ بالحنان، والمحبّة، والأمومة التي تفرّدت في كلّ شيء، مأتمًا ينبض بالجراحات والآلام التي تعايشت مع ذلك القلب الكبير المنكسر لفقد الأحبّة الذين رحلوا، والذين سيرحلون، والعجيب أنّ الضلع قد أنجب أضلعًا مُحطَّمة مُهشّمة بحوافر الخيول التي صالت وجالت على الصدر المهيب، تُرى هل ستورّث تلك الأضلاع قصصًا ومآتم أخرى؟ سنعود إلى أول القصّة، بل إلى المأتم الأول، لقد ابتدأ عندما قَدِمَ الحسنان (عليهما السلام) للتزوّد من ذلك القلب الكبير قبل الرحيل، قلب أوحى إلى اليدين المباركتين باحتضان الوَلَدينِ الحزينينِ لفراق الحنان برمّته. والقصّة الثانية تتعلّق بالفتاة ذات السنين الخمس التي استوحشت الدار لفَقْد ذلك الوجه المنير المبارك، مناديةً: مَن لي بعدكِ يا أمّاه؟ تريّثي قليلًا ولا ترحلي، هل أقصّ عليكِ القصّة الثالثة لأبي الذي انكسر قلبه حين هَمَّ بتغسيلكِ، وهو يشاهد أثر الضلع المكسور؟ هَوِّن عليكَ يا أبا الحسن، فيسمع همهمةً حزينة عند القبر: يا أبا الحسن، لا تترك زينب، لقد استيقظت فزعة، تريد أن تحضن أمّها لتنام مطمئنة بجوارها. أمَّا القصّة الأخيرة، فهي قصّة غريبة، حيث تُشَيَّع سيّدة نساء العالمين (عليها السلام) وتُدفَن سرًّا؛ ليبقى قبرها مَخفيًّا إلى أن يشاء الله، لكن ما قصّة الباب التي حالت بين الطهر والخبث؟ بل مَن سيروي ذلك الحادث المروّع؟ إنّها قصّة مليئة بأحداث مريرة أحاطت بسيّدة النساء (عليها السلام)؛ لتكشف عن صبرها اللامتناهي وتصبّرها في نصرة إمام زمانها وهي تقول: "خلّوا عن ابن عمّي"(1)؛ إذ أنذرتهم بتلاوة دعاء يزلزل الأرض من تحتهم؛ لأنّهم أرادوا قتل أمير المؤمنين (عليه السلام). وأقدموا على حرق الدار، فأحرقوها غير مبالين بمكانة أصحابها، وقدرهم ومنزلتهم عند الله تعالى، وعند رسوله المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، فالصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) روح النبيّ التي بين جنبيه، لقد اعتصروا قلبها وروحها وجنينها بين الباب والحائط، فلاذت خلف الباب رعايةً للستر والحجاب لتقدّم المحسن (عليه السلام) قربانًا لذلك. فافخري يا بُنيّتي ويا أُخيّتي، بل يا نفسي بقدوة كهذه، إنّها حجّة الله على خلقه، قدوة في كلّ خُلُق رفيع، وعلم واسع، وقلب كبير وحنون، فيا وجيهةً عند الله ضمّينا تحت عباءتكِ المباركة الساترة، لنسير على نهجكِ الذي سارت عليه الحوراء زينب (عليها السلام)، فآزرت ونصرت أخاها وإمام زمانها الإمام الحسين (عليه السلام)، وهي تحفظ العيال والأطفال، وتواسي النساء الثكلى في يوم الطفّ الدامي في كربلاء. فلنحفظ الأمانة ولننصر أمام زماننا (عجّل الله تعالى فرجه) عبر الاهتداء بنور سيّدة نساء العالمين (عليها السلام) للحفاظ على ما كرّم الله سبحانه وتعالى به المرأةَ. ............................ (1) الأسرار الفاطميّة: ص ٦٢.