رياض الزهراء العدد 187 ألم الجراح
فَرَحٌ مِن مَوطِنِ الأَمَلِ
ما نزال لم نفهم حقيقة تلك الآصرة الوثيقة التي تجمع بيننا وبين مدينتنا القديمة (سامرّاء).. فكأنّما ذلك النور الباهر الذي يشعّ من ضريحها المقدّس يحمل في ذرّاته جاذبية عشق تجذب الموالين.. فتتجمّع الأرواح الباحثة عن الكمال الأزلي حولها؛ لتطالع تلك العظمة الإلهية، حيث تلوح نفائس السماء، كأنّها تترصّد انطلاق شعاع المنارتين؛ لتنهال بفيض الكريم رحمات تلامس القلوب الولهة برقّة؛ لتكون فيها الراحة والشفاء، وعندها تبدأ أبواب آفاق الخيال بالتفتّح لتتلاحق الصور في مخيّلتنا؛ لتستوقفنا صورة حملها لنا نسيم ربيع آخر من المدينة المنوّرة، في بيت يعبق بروحانية الإيمان والتُقى، لوالدين مباركين يحملان مولودًا يتسنّم طود الإمامة، وتغمر قلبه أنوار الملكوت، تحمل نظراته الاشتياق ذاته لحمل الرسالة الربّانية المكمّلة لسلاله الآباء المطهّرة.. نِعمَ الوالدان هما: الإمام عليّ الهادي وسُليل (عليهما السلام).. ونِعمَ المولود المبارك وليدهما: إمامنا الحسن العسكريّ (عليه أفضل التحايا والسلام).. وفي غمرة فرحنا وسرورنا بمولده، وَصَلَنا صوت شجيّ يحمل نَغَمًا رقيقًا، لا يملك مَن يسمعه إلّا الإنصات والخشوع لتلك الترانيم المقدّسة التي تنساب بكلمات الشهادة من بين شفتي ذلك الأب المفدّى: عليّ الهادي (عليه السلام)؛ لتصل إلى مسامع وليده المبارك، فتمتزج كلمات التوحيد بدمائه، ويتيقّن فؤاده بأنّه المختار ليكون وارث الأنبياء، ومتمّمًا لمسيرتهم، وأنّه سيكون أبو المهديّ (عجّل الله فرجه الشريف).. وترتسم كلّ علامات الفرح عليكِ يا سامرّاء.. وترتفع أصوات مآذنكِ بالصلاة على محمّد وآل محمّد بولادة أبي الأمل المنتظر.. وتُضاء ليالينا الظلماء بنور الحقّ الساطع، وتنطلق أقداركِ بأن تكوني الحاضنة لذلك الجسد الشريف، فتحتضنه ذرّات ثراكِ، فيزيدكِ من معينه الفيّاض شجاعةً، وإرادةً، وإيمانًا، وتقديسًا، ويروي ظمأكِ من ريّه الزلال، فهنيئًا لكِ بولادة الجود يا بحر الجود والعطاء.