المُحدِّثَةُ أختُ الرِّضا (عليهما السلام)

بشرى عبد الجبار
عدد المشاهدات : 160

سيّدة جليلة ظلمها التاريخ فلم يكتب عنها إلّا القليل، هي السيّدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم وشقيقة الإمام الرضا (عليهم السلام)، ووالدتها السيّدة تُكتم، وُلِدت في المدينة المنوّرة في غرّة شهر ذي القعدة من سنة (173هـ)، نشأت في كنف إخوتها ورعايتهم بسبب سجن أبيها (عليه السلام)، فتعلّقت وارتبطت روحها بأخيها الإمام الرضا (عليه السلام). كانت عابدة شبيهة جدّتها فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وإنّها على صِغر سنّها لها مكانة جليلة عند أهل البيت (عليهم السلام)، وقد لُقّبت بعدّة ألقاب، منها (المحدّثة)، بما للحديث والسنّة النبوية الشريفة من أهمّية كبرى في الدين الإسلامي. بلغت (عليها السلام) منزلة ومكانة عالية، وقد صرّح الشيخ عبّاس القمّي قائلًا: (أفضل بنات الإمام الكاظم (عليه السلام) السيّدة الجليلة المعظّمة فاطمة، والشهيرة بالمعصومة)(1). اختصّها الله تعالى بمَلكة العقل والرشاد والإيمان، وتميّزت بثلاثة ألقاب تدلّ على مكانتها العلمية الرفيعة، وهي: (العالمة، والراوية، والمحدّثة)، إذ حدّثت عن آبائها الطاهرين (عليهم السلام)، وحدّث عنها جماعة من أرباب العلم والحديث، وأثبت لها أصحاب السُنن والآثار روايات عديدة، وممّا يدلّ على ذلك هو ما ورد في بعض الوثائق التاريخية من أنّ جماعة من الشيعة قصدوا المدينة يريدون الإجابة عن بعض الأسئلة التي كانت معهم، وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) مسافرًا خارج المدينة، فتصدّت (عليها السلام) للإجابة، وكتبت لهم جواب أسئلتهم، وفي طريق رجوعهم من المدينة التقوا بالإمام (عليه السلام)، فعرضوا عليه الإجابات، وعندما اطّلع على جوابها، قال ثلاث مرات: "فداها أبوها"(2). بعد استشهاد أبيها (عليه السلام) جرت عليها النائبات وشتّتت شملها، فرحلت لرؤية أخيها الإمام الرضا (عليه السلام) في خراسان، لكن حين وصولها إلى منطقة (ساوة) التي مكثت فيها بضع أيام بعد تعرّضها إلى المضايقات، وبعد مرضها على أثر سمّ دُسّ إليها وفقدها إخوتها، اتّجهت إلى مدينة (قم) المقدّسة، فاستقبلها أهلها بالترحاب والتعظيم، وكان يتقدّمهم (موسى بن خزرج الأشعريّ) الذي أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله بكلّ حفاوة، وعاشت لأيام قلائل تشتكي شوقًا وافتقاد ذويها، حتى تُوفّيت على أثر السمّ، ودُفنت في (قم) المقدّسة، وذلك في العاشر من شهر ربيع الثاني عام (201هـ)، فصار مرقدها حرمًا آمنًا يلوذ به أصحاب الحوائج ومزارًا للقاصدين لما نالته من الكرامات التي لم يختصّ بها غير المعصومين (عليهم السلام). ................................................................................. (1) منتهى الآمال: ج 2، ص 378. (2) كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، نقلًا عن كشف اللآلئ: ص 63و64