﴿...فمُستَقَرٌّ ومُستودَعٌ...﴾(1)

ولاء قاسم العبادي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 171

بالأمس نكث طلحة والزبير بيعة الإمام عليّ (عليه السلام) إثر رفضه تلبية نداء طمعهما فتركاه، بل ألّبا عليه الناس وحارباه لأجل مصالح دنيوية! وعند ظهور الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه)، حيث يوم الأبدال، ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "...ثم يسير ـ الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) ـ حتى يأتي العذرا هو ومَن معه، وقد ألحق به ناس كثير، والسفياني يومئذ بوادي الرملة، حتى إذا التقوا وهم يوم الأبدال يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمّد عليهم السلام، ويخرج ناس كانوا مع آل محمّد إلى السفياني، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم، ويخرج كلّ ناس إلى رايتهم، وهو يوم الأبدال..."(2). عجبًا! ما السببُ الذي يدعو الشيعي إلى الانقلاب على إمامه، بل محاربته! على الرغم من علمه بمقام الإمام، وبما يترتّب على ذلك من خسرانه الدنيا والآخرة؟! ورُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ العبد يصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويصبح كافرًا ويمسي مؤمنًا، وقوم يُعارون الإيمان ثم يُسلبونه، ويُسمّون المعارين..."(3)، فالسبب يكمن في القلب، فهو وعاء منَّ الله تعالى عليه بالإيمان الفطري، وما إن يدخل معترك الحياة الدنيا حتى تتنازع عليه قوّتا الخير والشرّ، النور والظلام، فمَن ساد خيرُه واشتدّ ضياؤه حتى استقرّ إيمانه ورسخ، كان إيمانه مستقرًّا ثابتًا راسخًا، ومن ساد شرّه واشتدّ ظلامه حتى استقرّ كفره ورسخ، كان كافرًا. وبين ذا وذا درجات كثيرة متفاوتة من الإيمان، وأخرى أيضًا من الضلال؛ يحدِّد فوز الخير أو الشرّ في النزاع على أيّ منها يكون القلب، فربّما يكون مؤمنًا متردِّدًا بين الإقبال والإدبار، أو مُتحيّرًا بين الإيمان والكفر، فمتى ما غلب الأول كان إيمانه غير مستقرّ، ومتى ما غلب الثاني كان كفره كذلك. وذلك سرّ الإيمان المستودع غير المستقرّ الذي تزعزعه الفتن، وتزلزله النوائب، وتزحزحه المصالح سريعًا فينقلب إلى ضدّه، وكذا سرّ الكفر غير المستقرّ الذي ربّما تدرك صاحبه الهداية فيهتدي وينقلب مؤمنًا. ولحكمة الله البالغة، فإنّ هذا الانقلاب لا يأتي اعتباطًا، إنّما تعود جذوره إلى اختيار الإنسان وعمله، فمتى ما قوّى إيمانه الفطري بإيمان آخر كسبي؛ فسيكسبه بالعلم الذي يعقد عليه قلبه، ويترجمه بسلوكه، هداه الله تعالى للإيمان فكان مؤمنًا، ومتى ما ضعف انعقاد قلبه على الحقّ أو انعدم؛ إمّا جحودًا أو لجهله به، وكثرت معاصيه سلبه الله إيمانه ورفع عنه توفيقه، فكان كافرًا. فعن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلتُ: وهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ...، قال: "ما يقول أهل بلدكَ الذي أنتَ فيه؟ قال: قلتُ: يقولون مستقرّ في الرحم، ومستودع في الصلب، فقال: كذبوا، المستقرّ ما استقرّ الإيمان في قلبه، فلا يُنزع منه أبدًا، والمُستودَع الذي يُستودع الإيمان زمانًا ثم يُسلبه، وقد كان الزبير منهم"(4). فبعد التأمّل فيما مضى وفيما هو قادم، نجد أنفسنا أمام مسؤولية كبرى في الوقت الحاضر، تكمن في ترسيخ إيماننا عبر عقد قلوبنا على المعرفة الإلهية الحقّة، وترجمتها إلى عمل صالح؛ وقد رُوي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "الإيمان عقد بالقلب، ولفظ باللسان، وعمل بالجوارح، لا يكون الإيمان إلّا هكذا"(5). ....................................... (1) الأنعام: 98 (2) بحار الأنوار: ج ٥٢، ص٢٢٤. (3) شرح أصول الكافي: ج ١٠، ص ١٣٧. (4) تفسير العيّاشي: ج ١، ص ٣٧١. (5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2، ص205.