رياض الزهراء العدد 188 شمس خلف السحاب
الانتِظارُ الإِيجَابِيُّ
إنّ لقضية الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه الشريف) بالغ الأهمّية العقائدية، وقد أكّدت الروايات الشريفة عليها، فعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "مَن مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية "(1)، ومن مصاديق معرفة الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) هو التعرّف على أحوال غيبته، والتفاعل معها على مستوى الشعور والعمل، وهو ما يُعرف بالانتظار. وبين الواقعية والخيال نجد أقسامًا من المنتظرين، فمنهم مَن اتخذ من الشعور والعاطفة منهجًا، وعكف عليه من دون العمل، والقسم الآخر ينتقد الأول، ويركّز اهتمامه على العمل غير عابئ بوجدان المنتظرين، بينما خير الأمور هو أوسطها، فالانتظار يتطلّب شيئًا من العاطفة، وشيئًا من الوعي يجمعهما العمل، ولا يغيب عن أذهاننا تلوّع الإمام الصادق (عليه السلام) وهو يندب الإمام القائم بخطاب وجداني مؤثّر على الرغم من سبقه الزمني على ولادته. والانتظار لا يكون مجرّد فعل يستدعي الوقوف في زمان أو مكان بغية لقاء المُنتظَر، فانتظار المظهر لدين الله تعالى لا يكون بهذه البساطة، وبالطريقة المعروفة لانتظار أيّ قادم، بل هو عمل عبادي لابدّ من تحقّق الغاية منه التي تقتضي الثبات على الإيمان به، والالتزام بالشريعة وأحكامها، والابتعاد عمّا حرّم الله تعالى، وهذا لوحده يدخل السرور على قلب الإمام، وهو عين الانتظار ولبّه، ولبنته الأولى. وقد يسأل سائل: هل يعني الانتظار أن يكون الإنسان مؤمنًا، ملتزمًا، منعزلًا عن مجتمعه، ويعيش انتظاره لمولاه بمفرده؟ والجواب هو: كلا، فهذا الفعل الانطوائي يعيق نموّ الأواصر المهدويّة في المجتمع، وهو نوع من أنواع الانتظار السلبي، إذ ينبغي أن يكمّل المؤمن المنتظِر فصول انتظاره، ويجذف بالقارب باتجاه كلّ عمل صالح يُمكن تحقيقه، ويذكّر به ولو على مستوى عائلته ومحيطه. ومن ملامح الانتظار وأسس ترسيخه هو نشر التوعية بقضيّة الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه الشريف) في المجتمع بصورة صحيحة، وتثبيت أركان هذه العقيدة مدعومةً بالأدلّة القرآنية والروائية على كلّ مساحة يتمكّن منها الفرد، سواء في العالم الواقعي أو الافتراضي، حتى ينتشر عبق ذكره الشريف، وتسكن الأرواح إلى راعيها الحقيقي، وينشدّ الضمير إلى الإمام المُنتظَر كأنّه يراه، والتركيز على أهمّية التفقّه في الدين، واتّباع فقيه جامع للشرائط، يُحتكم إليه في أمور الأمّة وشؤونها في ظلّ التحدّيات الكبيرة التي نعيشها. ................. (1) بحار الأنوار: ج ٢٣، ص 76.