رياض الزهراء العدد 188 ركائز الإيمان
﴿...فَيَنْظُرُ فِيمَا اكْتَسَبَ لَهَا وَعَلَيْهَا...﴾
دأب علماء الأخلاق على وضع برنامج عملي يهيّئ وينظّم عملية المحاسبة؛ ليقوم بها الفرد المؤمن على أفضل وجهه، وليتعرّف عن طريقها على نقاط ضعفه وقوّته، وقد ذكروا مراحل لذلك ليصل الإنسان في تقويم نفسه إلى أفضل النتائج. وأول مرحلة وُضعت في هذا الطريق هي المشارطة: وتعني أن يشترط الإنسان على نفسه منذ الصباح الباكر بألّا يرتكب مخالفة شرعية، وألّا يقترف ذنبًا. ثم يأتي دور المرحلة الثانية وهي المراقبة: فيبدأ طوال ساعات النهار بمراقبة نفسه؛ كيلا تخالف العهد الذي أخذه عليها، فيراقب حركاته وسكناته، وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "اجْعَلْ مِن نَفْسِكَ عَلى نَفْسِكَ رَقيباً"(1)، وفائدة المراقبة هي أن يعيش الإنسان في حالة من اليقظة الدائمة. ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي المحاسبة: ففي آخر نهار ذلك اليوم يجلس يحاسب نفسه: هل وفى بما شرط على نفسه؟ فإن وفى والتزم، شكر الله وسعى للاستزادة من الأعمال الصالحة، وإن خالف الشرط الذي قطعه على نفسه في بداية اليوم، وخالف أوامر الله فيما أمره تاب إليه تعالى. وقد حثّت الروايات الشريفة الإنسان على المحاسبة، فعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "مَا أَحَقَّ الْإِنْسَانَ أَنْ تَكُونَ لَهُ سَاعَةٌ لَا يَشْغَلُهُ عَنْهَا شَاغِلٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ فَيَنْظُرُ فِيمَا اكْتَسَبَ لَهَا وَعَلَيْهَا فِي لَيْلِهَا وَنَهَارِهَا"(2). هذه المراحل مهمّة في تربية النفس، فهي تساعد على ضبط سلوك الإنسان، وإعادة النظر في أعماله، فيقوّم النقاط الإيجابية ويعزّزها، ويدفع بنفسه للاستزادة منها، وينظر في السلوكيات السلبية ليعدّلها ويهذّبها. وتأتي المرحلة الأخيرة: ففي حال خالفت النفس الشرط ولم تلتزم به وارتكبت ذنبًا، فإضافة إلى التوبة وتدارك ما فات بالأعمال الصالحة، يتمّ معاقبتها بتوبيخها ولومها على ما فعلت، على أن تكون المعاقبة بحرمانها من الأمور المشروعة، مثلما يعلّمنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفة المتّقين: "...إن استَصعَبَتْ علَيهِ نَفسُهُ فيما تَكرَهُ، لَم يُعْطِها سُؤلَها فيما هَوِيَتْ..."(3)، فحرمان النفس ممّا تحبّ وما تشتهي نوع من أنواع العقوبة، له دوره في تطويع النفس وردعها عن المعاصي، وردّها عمّا فعلت من سيئات. والمشارطة أول النهار، ثم المراقبة في أثنائه، والمحاسبة في آخره، ثم المعاقبة إن استلزم الأمر، له تأثيره في تقويم الكثير من السلوكيات وتعديلها، والسير بالإنسان في الطريق القويم. ................................... (1) ميزان الحكمة: ج4، ص504. (1) تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: ص236. (2) ميزان الحكمة: ج4، ص553.