التَّربِيَةُ بِالتَّخوِيفِ: أُسلوبٌ لِخَلقِ جِيلٍ مِن الضُّعَفاءِ
الخوف من أعظم المخاطر التي تهدّد الإنسان، وتعيقه عن النهوض بمسؤولياته والنجاح في حياته، وبذلك يبتعد عن الأماكن التي يكمن فيها سرّ نجاحه وتكامله في الكثير من الأحيان. يُعرف الخوف على أنّه حالة انفعالية ناتجة عن الشعور بانعدام الأمن، وهي من أهمّ الانفعالات الإنسانية. وهناك نوعان من الخوف: حقيقي، ووهمي، والخوف الحقيقي هو خوف الإنسان من التعرّض للإصابة بضرر، أو يكون معرّضًا للفناء، والضرر على الشخصية والمكانة التي يحظى بها، وأمّا الخوف الوهمي فهو ذلك الذي ينتج عن خيالات لا صحّة لها. لا يتعلّق الخوف بفئة دون سواها، ولا جماعة دون أخرى، فالخوف موجود عند الجميع مع تفاوت في الشدّة والضعف. حديثنا اليوم عن الخوف لدى الطفل، فهناك مخاوف ترافقه منذ الولادة تكون فطرية مع الولادة وقد تكون مكتسبة من المحيط. أجرت مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) استطلاعًا للرأي مع بعض النساء في هذا الشأن: مخاوف واختلافات حلا طه الموسويّ/ ربّة بيت: إنّ للأطفال مخاوف متعدّدةً لا يمكن حصرها، فنجد الطفل في كلّ مرحلة عمرية يخاف من شيء ما، وعلائم الخوف تبدأ في عمر الثلاث شهور، وذلك عند حصول محفّز شديد في نفس الطفل، وكلّما تقدّم في العمر اكتسب مخاوف جديدة، مثل الخوف من الظلام، والحيوانات، والمطر والبرق، والأصوات العالية، والازدحام، والأماكن المرتفعة، وتختلف المخاوف ليبدأ الخوف من الطبيب والمعلّم مثلًا، وهكذا. ويختلف الخوف بين الأولاد والبنات، فالبنات مثلًا يخفنَ أكثر من الأولاد، ولعلّ ذلك مرتبط بجانبها العاطفي ورقّتها. ويرتبط الخوف عند الأطفال بالبيئة التي يعيش فيها الطفل، فالطفل في المدينة مثلًا يختلف عن ابن الصحراء أو الريف، فالأخير يتميّز بالشجاعة أكثر من ابن المدينة بحكم البيئة التي نشأ فيها، وللأهل النصيب الأوفر من التربية، فإذا كانوا يربّون الطفل بالتخويف فسوف ينشأ طفلًا مهزوز الشخصية، بخاصّة لو كان الأهل أنفسهم ممّن يخاف ولا يتّسمون بالرزانة، وهذا يؤثر سلبًا في شخصية الطفل. المصدر والأثر فاطمة صالح الفتلاويّ/ موظفة: تخويف الطفل من قِبل الأهل له آثار سلبية تمتدّ إلى مرحلة الشباب، حيث تتكوّن لديه عُقد نفسية، وطفولة مؤلمة تحمل في طياتها الكثير من الألم والخوف، من ثمّ سينشأ فردًا متردّدا في اتخاذ القرار ومتشائمًا، وفي حالة قلق دائم، وتتّسم تصرّفاته مع الآخرين بطابع عدواني، حيث يتعامل بعنف مع الناس والظروف التي تواجهه في قابل الأيام، ويصاحبه التوتر في أبسط المواقف، إضافة إلى الانطوائية والعزلة بسبب الخوف الذي قبع بداخله من أقرب الناس إليه، ويكون إنسانًا خاضعًا لأيّ شخص يقابله في المستقبل، فالفتاة التي تعرّضت للتخويف قد تكون زوجة خائفة لا تستطيع أن تدير أمور بيتها بالشكل الصحيح، وستخضع لأيّ عنف أسري بدون مجابهة تُذكر، والشاب أيضًا سيكون شخصية ضعيفة متردّدة لا يمتلك قرارًا، ولن يكون عضوًا فاعلًا بين أقرانه، أو ربّ أسرة ذا رأي سديد، فقد تغلّب الخوف عليه في أولى سنوات العمر التي تُعدّ الأساس الأول في تكوين شخصية الفرد مستقبلًا. الآثار هناك آثار سلبية تترتّب على الخوف، منها 1- الصحّة الجسدية: يؤثر الخوف في الدورة الدموية للجسم، فيؤدّي إلى انخفاضها، إضافة إلى المشاكل الهضمية، وفي بعض الأحيان تسمّم في الدم، ويقلّل النموّ، ويسبّب اضطرابات النوم، وضعف القوى البدنية. 2- الصحّة النفسية: اضطرابات نفسية، وعرقلة في النظرة المستقبلية، وفقدان الشجاعة، واليأس، وغلبة الأوهام، وفقدان التوازن النفسي، وعدم اكتساب المعرفة. 3- الصحّة الذهنية: ضعف الذاكرة والنسيان، وقلّة الذكاء، وتدنّي النشاط الذهني. 4- الناحية العاطفية: البكاء، حدّة المزاج، الكره والاستياء. 5- الناحية الأخلاقية: الكذب، والممارسات العابثة، إصدار أحكام غير عقلانية، التكلّم بكلام مبهم، ضعف في السجايا الأخلاقية. 6- الناحية الاجتماعية: التشكيك في العلاقات، سوء الظنّ، الرضوخ للطلبات غير المشروعة، تعرّض الأخلاق الاجتماعية إلى التفسّخ. طرق التخلّص من المخاوف الأستاذة التربوية/ بشرى رحيم الصالحي: على المربّين علاج المخاوف لدى الأطفال؛ لأنّ مرحلة الطفولة من المراحل المهمّة في تكوين شخصية الإنسان، لذا على الوالدين عندما يرصدون مخاوف مضرّة بشخصية طفلهم، ومؤثرة في حالته الصحّية والنفسية الإسراع بمعالجتها، وإلّا سوف تصبح طبعًا في شخصيته، وتتحوّل إلى كابوس، وتنهك قواه، وتصاحبه حتى سنين الكبر، ومن الأمور البالغة الأهمّية أنّ مرحلة الطفولة من أهمّ المراحل التي يمكن فيها معالجة الطفل بسهولة ويسر، وهنالك طرق بسيطة ممكن اتّباعها لذلك: الفنون والعلاج: 1- رفع مستوى الوعي لدى الطفل وإفهامه أنّ الأمر ليس مفزعًا. 2- تلقين الطفل نفسه: أنا شجاع، لا أخاف، ويفكّر ويتعقّل. 3- استصغار الشيء الذي يخاف منه وإقناعه بذلك. 4- قراءة قصص مشجّعة، وذكر المواقف الإيجابية للأشخاص الذين يخاف منهم بلا سبب مثل الطبيب أو المعلّم. 5- تقوية بدنه إذا كان ضعيفًا، وتوطيد نفسه بنفسه. 6- التربية على الإيمان والاعتماد على الله في أمورنا. 7- اتّخاذ الإجراءات اللازمة لإزالة الخوف لدى الطفل، مثل النوم بقربه إذا كان يخاف الوحدة، وإشعال مصباح إذا كان يخاف من الظلام. 8- دمجه مع أطفال شجعان لا يخافون. 9- اللجوء إلى العلاج الطبّي في بعض الحالات المتفاقمة بشكل غير العادي. لا يمكن عدّ الخوف ظاهرة سلبية، بل هنالك خوف إيجابي، إذ على الأهل تخويف الطفل من مصادر الخطر كالنار والكهرباء وما شاكل ذلك، ومن الأمور المهمّة التي يجب على الأهل تجنّبها هو التربية بالتخويف التي تقوم على أساس استخدام العنف مع الطفل بذريعة التربية، ولأسباب واهية مثل اللعب والتصرّف بعفوية أمام الآخرين وغيرها من الأسباب التي تؤدّي إلى تحطيم شخصية الطفل.