اِبنَتِي وَالعِبادَةُ

زينب عبد الله العارضي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 200

بنيّتي الحبيبة: يا جوهرتي المصونة، يا بسمة ارتسمت على شفاه حياتي، ها أنا ذا أبحر في شطآن ذكرياتي، فأبتسم لمّا أتذكّركِ وأنتِ تفرشين سجّادتكِ الصغيرة، وترتدين رداء الصلاة الطويل، فتبدين كأجمل أميرة، تقلّدين حركاتي، وتردّدين دعواتي، وتمسك أناملكِ بمسبحتكِ بعد الصلاة والدعاء؛ لتأتي بتسبيحة مولاتي الزهراء (عليها السلام). لقد بذلتُ كلّ جهدي ليكون ارتباطكِ بالله سبحانه وتعالى، وبيّنتُ لكِ مع اختلاف مراحل عمركِ أنّ نبض قلبكِ، وفيض جَنانكِ، ونموّ شبابكِ وتألّقه، ومرور ليلكِ ونهاركِ، وأسباب نجاحكِ وفشلكِ، كلّ ذلك وغيره، بيده وحده تبارك وتعالى. بيّنتُ لكِ أنّ الكون بذرّاته ومجرّاته يسبحه ويقدّسه، ويعترف بعظمته ويخضع له، وينبغي ألّا تتخلّفي عن قافلة الذاكرين، بل تنخرطي مع المسبّحين لربّ العالمين، وتعبدينه حقّ عبادته، فهنا فقط تتحقّق السعادة، وتثبت الأقدام على الطريق الموصل إلى السموّ والريادة. فالعبادة يا قلب أمّكِ هي اللبنة الأساسية في بناء الشخصية السوية، وسُلّم الارتقاء؛ لأنّها تطهّر النفس الإنسانية، وتعالجها من مختلف الأمراض النفسية والأخلاقية. هي البلسم الشافي للكثير من المشكلات، والدواء الناجع للمعضلات، بما تسهم في خلق حالة من الانسجام بين المحتوى الداخلي والمظهر الخارجي. بالعبادة يا بنتي تخرجين من سجن الدنيا الضيّق، وتتلمّسين السبيل إلى رياض القرب والسعة والتألّق، بها تغلبين الشيطان، وتنتصرين على عوامل الضعف، وترزقين غنى القلب والسكينة والاطمئنان. العبادة يا نور عين والدتكِ تقوّي إرادتكِ، وتطوّر قدراتكِ، فالتخلّي في ليالي الشتاء الباردة عن لذيذ الرقاد ودفء الفراش للقيام بين يدي ربّ العباد، وكذلك الصوم عن الطعام والشراب لمدّة طويلة ممّا يصقل الروح، ويكبح جماح النفس والشهوات، فيؤهل العبد لنيل أرفع الدرجات. واعلمي عزيزتي أنّ العبادة لا تنحصر في المحراب أو ببعض الطقوس والأعمال، بل تشمل الأقوال والنوايا والأفعال، ما دام الداعي إلى فعلها أو تركها الاستجابة لأمر ذي العزّة والجلال، وهذا يعني أنّ ساحة الكون محراب عبادة ما دمنا نقصد وجهه تعالى، ونتوجّه إلى حضرته، ونحن ندرك أنّه الخالق المبدع ونحن في قبضته، ونحتاج في كلّ لحظة إلى عطائه وفيضه ورحمته. فاغتنمي ربيع العمر والشباب حيث الفراغ والنشاط والصحّة والهمّة، وتزوّدي من الخير والعطاء والنعمة، فنحن ضيوف في هذه الدنيا الفانية، وسرعان ما سنرحل إلى رحاب الدار الباقية، فهنيئًا لمَن جعل ساحة حياته ميدانًا للتألّق والوصال بحسن العبادة، ومبارك لمَن وعى قبل فوات الأوان، فابتغى التزوّد والاستزادة.