الابتِزازُ الإِلكترونِيّ: مِعوَلٌ لِهدمِ المُجتَمَعِ
هو ذاك الشريط الأصفر الذي يحدّد مسرح الجريمة للوقوف على أسبابها عن طريق جمع الأدلّة وتحليلها للوصول إلى الجاني، ومن ثمّ معاقبته تحقيقًا للعدالة، ولإصلاح ما فسد من سريرته. في محاولة منّا لوضع شريط أصفر في مسرح أيّ جريمة، سواء كانت مادّية أم معنوية لحصر أسبابها، في محاولة منّا لمنع تكرارها عبر وضع حلول وأفكار ومقترحات لمحاربتها، والحفاظ على الأمن المجتمعي، فكذلك الروح يجب الحفاظ عليها من تلوّث فطرتها بنوازع إجرامية مكتسبة. والابتزاز الإلكتروني عملية تهديد وترهيب للضحيّة بنشر صور أو موادّ فيلمية، أو تسريب معلومات سرّية تخصّ الضحية، مقابل دفع مبالغ مالية، أو استغلال الضحيّة للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزّين كالإفصاح بمعلومات سرّية خاصّة بجهة العمل أو غيرها من الأعمال غير القانونية، وعادةً ما يتمّ تصيّد الضحايا عن طريق البريد الإلكتروني، أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كـالفيس بوك، تويتر ، وإنستغرام، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي نظرًا لانتشارها الواسع، واستخدامها الكبير من قِبل جميع فئات المجتمع، وتتزايد عمليات الابتزاز الإلكتروني في ظلّ تنامي عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، والتسارع المشهود في أعداد برامج المحادثات المختلفة. واعترف أحد المبتزّين بكيفية استدراج ضحاياه لابتزازهنَّ بصور شخصية وفيديوهات خاصّة لأجل كسب المال، ممّا دفع إحداهنَّ إلى الانتحار بعد الضغط عليها. مشهد يتكرّر كثيرًا في حياتنا الاجتماعية بعد أن أصبحت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا العملية، أو الشخصية، حتى الدراسية في ظلّ ظروف جائحة كورونا، فأصبحت تلك المواقع متاحة لفئات عمرية مختلفة في درجات الوعي والإدراك والنضج، ممّا سهّل جرائم الابتزاز الإلكتروني، إضافة إلى عدم الوعي وسوء استخدام الإنترنت بشكل عام. بات من الصعب مواكبة التطوّر التكنولوجي عند الكثيرين، فعمد قراصنة الإنترنت أو ما يُسمّون بـ(الهاكرز) إلى اختراق صفحات ومواقع مختلفة لغرض الابتزاز، فسهل على ذوي النفوس الضعيفة والدوافع الإجرامية تكوين شبكات خاصّة، أو عصابات ..... لاصطياد الضحايا واستدراجهم لابتزازهم إلكترونيًا بمختلف الأشكال، بخاصّة مع عدم وجود قانون صريح يخصّ الابتزاز الإلكتروني، إلّا أنّ القضاء العراقي عالجها وفق قانون جريمة الابتزاز المالي من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام (١٩٦٩م) وفق المادّة رقم (452) التي تنصّ على الآتي: 1ـ يُعاقب المبتزّ بالسجن لمدّة لا تزيد على السبع سنين، أو بالحبس من جرّاء حمل الآخر عن طريق التهديد على تسليم نقود أو أشياء أخرى غير ما ذكر في المادة السابقة. ٢ـ تكون العقوبة لمدّة لا تزيد على العشر سنين إذا ارتُكبت الجريمة بالقوة أو الإكراه. ونرى ازدياد جرائم الابتزاز الإلكتروني في عموم محافظات العراق، وبحسب الإحصائية الخاصّة بجرائم الابتزاز الإلكتروني الواردة في ضمن إجابات رئاسات محاكم الاستئناف الاتحادية للعام (٢٠٢٢م) من ٢/ ١/2022م حتى ٣١/ ٣/ 2022م فقد بلغ عدد جرائم الابتزاز الإلكتروني الكلية إلى (2452) حالة في عموم المحافظات، وهو مؤشر خطير جدًا على ازدياد هذا النوع من الجرائم في غضون ثلاثة شهور، بخاصّة إذا علمنا أنّ أضعاف هذا العدد لا يتمّ التبليغ عنها خوفًا من الفضيحة والعار والنظرة الدونية المجتمعية للضحايا، ومن ثمّ فإنّ هذه الجريمة ستجرّ إلى جرائم أخرى كالسرقة، والقتل، والانتحار، إضافة إلى تفشّي حالات الطلاق والعنف الأسري. ولمعالجة الآثار الوخيمة لجرائم الابتزاز الإلكتروني فالعمل يكون على شقّين: المعالجة الفردية: تكون في ضمن حدود الأسرة أولًا، ومن ثمّ العمل والمحيط عن طريق احتواء الأولاد عاطفيًا، ومتابعتهم وتهيئتهم قبل الولوج إلى العالم الرقمي والعالم الافتراضي، وتوعيتهم ونصحهم وإرشادهم في كيفية استخدام شبكة الإنترنت بالشكل الصحيح، والابتعاد عن العلاقات المحرّمة، وعدم إرسال أيّ صور أو مقاطع شخصية لأحد، إضافة إلى تقوية الحسابات الشخصية وزيادة أمانها. المعالجة الاجتماعية: تكون عبر المعالجات الحكومية للحدّ من هذه الجريمة عن طريق التوعية الاجتماعية في ضمن وسائل الإعلام المحلّية عن كيفية الاستخدام الآمن لمواقع التواصل، وحثّ الضحايا على التبليغ عن المبتزّين لملاحقتهم قضائيًا عن طريق مديرية الجرائم الإلكترونية التابعة لجهاز الأمن الوطني، ونشر توصياتهم في كيفية التعامل مع المبتزّين الإلكترونيين من حيث تجاهل تهديداتهم، وعدم إرسال أيّ مبالغ مالية، أو تهديدهم بالاتصال بالشرطة، بل التوجّه فورًا للتبليغ عنهم في حال حدوث عملية الابتزاز؛ لضمان تطهير المجتمع من هذا المعول الخطر الذي يهدم مجتمعاتنا، وينخرها من الداخل.