رِجَالُ الإِباءِ

منتهى محسن محمد/ بغداد
عدد المشاهدات : 252

للبطولة رجال أشدّاء لا يخافون في الله لومة لائم، وللشهامة مواقف تنمّ عن نبل، وفداء، واصطفاء، وفي ساحة الوغى وعند اشتداد الوطيس تُمتحن الرجولة، وتسطّر أبهى آيات الكرامة والإباء. من مدينة البصرة الفيحاء بزغ نجم المجاهد (أيوب)، من ثرى أرض امتلأت بالتضحيات وتقديم القرابين على امتداد السنين العجاف، بعدما سقاه لبن الأمّ كلّ دفعات البذل والغيرة والحميّة وشحناتها. وعند ساعة الصفر يهبّ الرجال، وأيّ رجال! رجال خُلِقوا ليوم الفصل، أنجبتهم أمّهات صابرات، صنعنَ لهم من أرغفة العوز رايات للعزّة والشهامة، وعجنَّ من دموعهنَّ حنّاء الشهادة، وأطعموهم من وحي المواكب الحسينية رفضًا وجلادة. وعند احتدام الأمور، وخرق ساتر الأمن والأمان، واستلاب راحة العباد، وسطو العصابات المجرمة على المقدّسات والحرمات، ونداء فتوى رجال الدين الفضلاء، ودعوتهم لمنازلة أوكار الخبث والدهاء، وتطهير بلد الأنبياء من براثن أهل الكفر والشقاق، لبّى المقاتل الميمون (أيوب) النداء. وسريعًا ما انضمّ إلى دورات تدريبية لتعلّم الرماية بمختلف الأسلحة ضمانًا لحصد رؤوس أهل الضلال، ثم التحق بأحد الأفواج بعدما أتقن مهارة الرمي بكلّ مهنية واقتدار، وراح يمضي قُدمًا في حصد أرواح الخبثاء واحدًا تلو الآخر. وفي قرية (هزيمة) تقدّمت القوّات لدحر العدوّ الذي كان متحصّنًا بها، متّخذًا من العجلات المفخّخة أسلوبًا جبانًا في حصد أرواح أهل الغيرة النجباء، لكن أبطال الفوج كانوا بالمرصاد، حيث فجّروا أربع عجلات مفخّخة قبل وصولها. ثم امتدّت عمليات التحرير الواسعة لليوم الثاني على التوالي وصولًا إلى الخطّ الرابط بين الموصل وتلعفر، ووصلت الأوامر بقطع الطريق، وقد تصدّى البطل (أيوب) لهذه المهمّة بكلّ ما أُوتي من قوة حاملًا سلاحه الساند ـ 23ـ ومشاركًا إسناد القطعات المتأخّرة عنه. اشتدّ لهيب المعركة، وراح (أيوب) يشتدّ صبرًا ومنازلةً، حذرًا من العجلات المفخّخة التي تمّ رصدها بواسطة الكاميرات الحرارية والطائرات المسيّرة، وظلّ يقاتل مع إخوته بشراسة، متوكّلًا على الله تعالى، سائله الفتح والنصر. وحالما وصل إلى الطريق العام المبلّط، توجّهت نحوه عجلة مفخّخة يقودها رجلان من داعش، فابتدأت شرارة المواجهة حينما بدأ برميها بنيران سلاحه وهو داخل عجلة (سلفادور) التي كان على متنها، إلّا أنّ ذلك الرمي لم ينفع ولم يؤثّر؛ لأنّ عجلة العدوّ كانت مدرّعة. دقائق بحجم الموت، ولحظات بعمق الزمن سيقت نحو البطل (أيوب)، والمدرّعة الملغومة تتقدّم نحوه، لكن ليوث الغاب لا تهاب الموت، وأسود الشدائد لا تتراجع في أثناء المعارك، وقد عقد عهده بين خافقيه وهو بين الموت والحياة الأبدية. سُمِع صوت دويّ هائل إثر اصطدام العجلتين مع بعضهما، وكم اشتهى (أيوب) لحظتها تذوّق طعم الشهادة، وبعد أن كفكفت الغبرة ترابها، وهدأت الأنفاس، تفقّد الأبطال رفيق الدرب (أيوب) الذي اختفى عن مقود العجلة، فوجدوه تحت العجلتين والدماء تسيل منه بغزارة، ظلّ على ذلك الحال عشر دقائق كادت أن تسلب حياته حتى تمكّن فيما بعد من رفع العجلتين بالحفار والسيطرة على عجلة الدواعش المفخّخة من قِبل أبطال الجهد الهندسي، ونُقل بسرعة بسيارة الإسعاف المصفّحة إلى الطبابة، ليوثق عهده الجديد بنزيف دمه المنساب منتظرًا الجولة القادمة التي ربّما سيعزف على أثرها نشيد الشهادة المنتظرة.