زَهرَةُ الزَّهراءِ (عليها السلام)
الخامس من شهر جمادى الأولى من العام الخامس للهجرة الشريفة.. دارُ الوصيّ وبنت النبيّ (صلوات الله وسلامه عليهم).. مليكة النساء، ربيبة السماء، زهراءُ الأكوانِ في مخاض.. إنّها ساعة ارتقاب آل محمّد لكوكب ثالث في سماء الصدّيقة الطاهرة (صلوات الله وسلامه عليها) تسبيح وتهليل، تقديس وتبتيل.. كأنّي بنواظر القلب ألمح.. أملاك تعرج وأخرى تهبط.. حول نورها تدعو وتدعو بشغفٍ، ترتقب ولادة النور من النور.. تمتمة أطهر شفاه: بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله مدبّر الأمور.. البشرى أوشكت أن تُزّف.. ها هو سناها يخترق الأبصار وُلِدت، وُلِدت.. أخت لسبطي حبيب الله يا حبيب الله! بضعتكَ الحبيبة ولدت الطاهرة الصغرى! إنّها ثاني النساء في دار النبوّة والإمامة.. كأنّي بزهرة الزهراء تُحمَل إلى كفّي عليّ.. يؤذّن في اليمنى، ويقيم في اليسرى فاطمة (عليها السلام): ماذا تسمّيها؟ أمير المؤمنين (عليه السلام): ما كنتُ لأسبق رسول الله.. يُسأل المصطفى: يا رسول الله ماذا تسمّيها؟ فيجيب: ما كنتُ لأسبق ربّي جبريل يهبط، فالعليّ الأعلى يدّخر لها اسمًا: "زَينَب"، من تخوم العرش يُزفّ اسمها.. ولا عجب، فهي سفيرة رسالة السماء.. وأميرة مملكة النساء.. وعقيلة الهاشميين النجباء.. تزيح بكفّيها الناعمتين دياجي الأيام؛ بهجة ممزوجة من طهر مآقي سيّد الأنام.. فرحة ولادتها تحتضن حزن سني حياتها.. يراها رأي العين، وما يحلّ بقلبها مع الحسين وما قبلها مصائب تتجرّعها كاملة؛ لا تقبل القسمة على اثنين وما بعده أدهى وأمرّ؛ في السبي والعود سترى، مع الظالمين الأمرّين كيف ستحجب كلّ ذلك سيّدي يا رسول الله عن نواظر بضعتكَ؟ أو ليست الأمّ تستشعر النبض.. وهي مثلما وجدتها وسمّيتها أمّ أبيها قرأت ما حلّ بقلبكَ، ورأت ما رأيتَ بين أنفاس إجابتكَ حين سألتكَ عمّا يبكيكَ في ساعة السرور هذه.. لعلّكِ مولاتي مسحت على قلب (زينب) تمريرًا لمصحف دعواتكِ الذي أودعتِ فيه كلّ الوصايا عند طهرها.. ولعلّها أمسكت بأناملكِ تتبعًا مع تسبيحتكِ الغرّاء.. ما أصغر ما عاشته مع نبضكِ مولاتي.. وما أكبر ما استُودع فيها؛ سليلة سيّد الأوصياء، وخاتم الأنبياء (زينب).. تنمو برعاية إلهية يزخر نورها بما تدّخره للعالمين.. عالمةٌ غير معلّمة.. تصطفّ خلفها دروس الحياة متعلّمة منها سبيل النجاة.. حركاتها، سكناتها توحيد ومحض إخلاص.. تُصنع في عين الله تبارك وتعالى؛ فلا ترى صنعه إلّا جميلًا روح زاكية، مباركة نامية، من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي صبرها ثمارًا للطالبين في كلّ حين.