الإمَامُ الهَادِيّ (عليه السلام) النُّورُ الزَّاخِر
في الثالث من شهر رجب الأصب باتت منائر (سرّ مَن رأى) تعزف نشيد الحزن والأسى، وهي تصدح بصوت شجي ونبرات حزينة.. لتعلن لحظة الوداع الأخير ألا وهو رحيل النجم الثاقب وسليل الأخيار الإمام (علي بن محمد الهادي) (عليه السلام). ذلك الإمام الحقّ الذي كان يُعرف بحسن سيرته، وسلامة طريقته ونهجه، وآفاقه العلمية، حيث كان يكرّم رجال الفكر والعلم ويحتفي بهم، ويكنُّ لهم كلّ التقدير والاحترام، ويقدّمهم على بقية الناس؛ لأنه شعاع الحقيقة ومصدر النور في الأرض والسماء، وهناك الكثير من النصوص والشواهد التي تثبت الجدارة العلمية لأهل البيت، حيث انبثق هذا النور الزاخر من تلك السلالة العظيمة، ومن بين تلك الشواهد والمواقف التي شهدها الإمام (عليه السلام) في عصره، موقفه من سائر الفرق الضالة، حيث انتشرت المذاهب المبتدعة، وسائر الفرق الضالّة، وكثير من الشاكّين في أمر الإمام، حيث ابتلى كلّ إمام في زمانه بهؤلاء، وقد ابتلى (عليه السلام) في زمانه بالمعتزلة والواقفة والفطحية والصوفية وغيرهم، ممّن شكّوا في إمامته، وما جرى من بعض المعتنقين لهذه السبل الباطلة، وكان (عليه السلام) يتصدى لهم عن طريق بيان بطلان حججهم بالمناظرات وغيرها، وقد شهد التاريخ انتصارات عديدة حققها الإمام الهادي (عليه السلام) على مَن تقدّم ليحاججه، فكان من بين هؤلاء يحيى بن أكثم؛ ليصبح بذلك هاديَ الأمم، ومناراً لفطاحل العلم والفضلاء. ونستنتج مما مرّ ذكره أن عصر الإمام (عليه السلام) شهد الكثير من البدع والانحرافات والأفكار الإلحادية في الأوساط الإسلامية، وهكذا أخذ الإمام الهادي (عليه السلام) يمهّد لزمام الأمور عن طريق نوره الوضّاء نحو مستقبل زاهر لأجيال متعاقبة تنعم بعز واقتدار قد رسمه من قبل والده الإمام الجواد (عليه السلام) عن طريق نظام الوكلاء والاحتجاب عن الناس بين الفينة والفينة، ليخّط أحرف المجد، وليشع وهج الحق والحقيقة، ليحكم قائم آل محمد المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً.