بَاقِرُ عُلُومِ الأَوّلينَ والآخِرِين

شهد صلاح
عدد المشاهدات : 132

قد أشرقت الدنيا بمولد الإمام الزكي محمد الباقر (عليه السلام) الذي بشّر به النبي (صلى الله عليه وآله) قبل ولادته، وكان أهل البيت (عليهم السلام)ينتظرونه بفارغ الصبر؛ لأنه من أئمة المسلمين الذين نصّ عليهم النبي (صلى الله عليه وآله)، وجعلهم قادة لأمّته فكانت ولادته في الأول من شهر رجب سنة (57) للهجرة في المدينة المنورة, وُلد من أبوين علويّين طاهرين زكيّين، فاجتمعت فيه خصال جديه السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام)، فأبوه هو سيّد الساجدين وزين العابدين الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وأمّه هي فاطمة بنت الحسن بن علي (عليه السلام) التي تُكنى بأم عبد الله، حيث قال الإمام الصادق (عليه السلام) فيها: "كانت صدّيقة لم يدرك في آل الحسن مثلها".(1) كانت ولادته (عليه السلام) في عهد معاوية والبلاد الإسلامية تعجّ بالظلم وتموج بالكوارث والخطوب من ظلم معاوية وجور ولاته الذين نشروا الإرهاب وأشاعوا الظلم في البلاد، ولقد عانى الإمام الباقر (عليه السلام) من ظلم الأمويين منذ أن وُلد وحتى استشهد ما عدا مدة قصيرة جداً هي مدة خلافة عمر بن عبد العزيز التي ناهزت السنتين والنصف. عاش الإمام الباقر (عليه السلام) في ظل جدّه الحسين (عليه السلام) بضع سنوات، وترعرع في ظلّ أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) حتى شبّ ونما وبلغ ذروة الكمال، فكان باقر العلم لأهل التقى، ذا الزهد والسؤدد، مظهر علوم الدين، مبيّن علم القرآن، حافظ معالم الدين، مرجع بقايا الصحابة، فكان علمه (عليه السلام) بحراً لا ينفد وجبلاً لا يرقى إليه الطير. كان عصر الإمام الباقر (عليه السلام) من أكثر العصور حساسيةً، فقد نشأ فيه الكثير من الفِرق الإسلاميّة، وتصارعت فيه الأحزاب السياسيّة، كما عمّت الناس ردّة قويّة إلى الجاهلية وأمراضها، فعادوا إلى الفخر بالآباء والأنساب، ممّا أثار العصبيّات القبليّة، وعادت الصراعات القبلية إلى الظهور، وهذا ما شجّع عليه حكّام بني أميّة، كما انتشرت مظاهر التّرف واللهو والغناء، والثّراء الفاحش غير المشروع. فتصدّى الإمام (عليه السلام) لكلّ هذه الانحرافات، فأقام مجالس الوعظ والإرشاد، كي يحفظ لدين جدّه نقاءه وصفاءه. كما تصدّى (عليه السلام) للفرق المنحرفة، فاهتمّ برعاية مدرسة (أهل البيت) التي أنشأها جدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم من بعده الأئمة الأطهار من ولده. وقد التفّ حوله (عليه السلام) علماء كثيرون، نهلوا من صافي علومه ومعارفه في الفقه والعقيدة والتفسير وعلوم الكلام، فكان هو المؤسس الأول للجامعة العلمية التي ازدهرت في عهد الإمام الصادق (عليه السلام). ................... (1) بحار الأنوار: ج46, ص214